Secciones
Referencias
Resumen
Servicios
Descargas
HTML
ePub
PDF
Buscar
Fuente


التّلوينات الفونولوجيّة للتّعابير اللّهجيّة في الوعدات الجزائريّة. نماذج من الغرب
Al-Andalus Magreb, no. 24, pp. 1-11, 2017
Universidad de Cádiz

Artículos

Al-Andalus Magreb
Universidad de Cádiz, España
ISSN-e: 2660-7697
Periodicity: Anual
no. 24, 2017

ملخص: تعتبر اللّغة عنصرا من عناصر تشكّل الهويّة الوطنيّة، وهي بذلك وسيلة هامّة لتحقيق التّواصل بين أفراد المجتمع الواحد، وتبليغ المقاصد والغايات، وفضلا عن ذلك كلّه، فإنّ اللّغة تسهم في الحفاظ على التّراث الشّعبيّ، بمختلف موروثاته من معنويّة فكريّة وعاطفيّة إلى مادّية، كما أنّها تحدّد معالم الحضارات وتواريخ الأمم.

والجزائر بتقسيماتها الجغرافيّة المتنوّعة، وتقاسيم موروثاتها الشّعبيّة تزخر بتنوّع العادات والتّقاليد؛ وذلك لتنوّع طرائق التّواصل اللّهجيّ، وتلوّن تراكيبه وأساليبه في مختلف المناسبات الاجتماعيّة من: دينيّة أو وطنيّة وكذا المناسبات المحلّية التّي تميّز منطقة عن أخرى؛ وذلك مثل الوعدات التّي تمثّل طقوسا اجتماعيّة وفكريّة وتعبيريّة.

وحينما نتحدّث عن الوعدات في الجزائر، نستحضر خصوصيّات كلّ منطقة في ذلك. والغرب الجزائريّ يحتوي نماذج تستحقّ الدّراسة، لإبراز الجوانب الفونولوجيّة وتلويناتها الصّوتيّة، ممّا له تأثيراته على فهم تلك التّعابير وتأويلها، لأنّ الإرسال الصّوتيّ في الوعدات درجات ومستويات وموضوعات، نتطرّق إليها بتفصيل في هذه المداخلة.

الكلمات المفتاحية: التّلوينات, الفونولوجيا, التّعابير, الوعدة, الغرب الجزائريّ.

Resumen: “Variantes fonológicas en fórmulas dialectales de invocaciones argelinas. Modelos occidentales”. La lengua es un componente más que da forma a la identidad nacional, siendo por ello un medio importante de expresión entre los miembros de una sociedad y un instrumento para alcanzar objetivos y metas. Pero además de esto, la lengua se propone la conservación de la tradición popular en sus diferentes expresiones, desde el pensamiento y el sentimiento hasta lo material, así como la fijación de los hitos de los pueblos y las historias de las naciones.

Argelia, con sus variados territorios y sus diferentes patrimonios populares, es abundante en costumbres y tradiciones, lo cual se refleja en la riqueza dialectal y en la diversidad de sus estructuras y estilos que se oyen en los distintos eventos sociales, religiosos o nacionales, y, en particular, en los locales distinguiéndose una región de otra. Es el caso de las invocaciones (waʕadāt) que dan forma a los ritos, los pensamientos y las fórmulas sociales.

Cuando hablamos de las invocaciones en Argelia, traemos a colación las particularidades de cada región. La parte occidental posee tipos de invocaciones que merecen ser estudiadas, destacando sus aspectos fonológicos y fonéticos, los cuales repercuten en la comprensión de estas expresiones y comentarios, ya que la dicción de estas invocaciones tiene sus grados, niveles y temáticas; de esto hablaremos con detalle en esta exposición.

Palabras clave: Variantes, Fonología, Fórmulas, Invocación, Occidente argelino.

Abstract: “Phonological Variation in Dialectical Formulas in Algerian Ritual Promises: The Case of Western Algeria”. Language is considered as one important component of national identity, a vital means of communication between the members of a single society, and a basic medium of transmitting intentions and purposes. It, furthermore, contributes to the preservation of folklore heritage with its various intellectual, emotional and material aspects. It also determines the landmarks of civilizations and the history of nations.

Algeria, with its diverse geographical areas and folklore divisions, is characterized by a rich diversity of customs and traditions. This goes back to the remarkable variability within its dialectal interactive ways and forms in both social events (religious or national) and local occasions that distinguish one region from another. One particular social, intellectual and expressive event in Algeria is known as ritual promises waʕadāt.

The ritual promise is in Algeria subjected to regional variation in the sense that it recalls specificities of each local region. The west of the country provides models worthy of study notably at the phonological and phonetic levels, for better understanding the meanings and interpretations behind such an event. Those language structures are graded and levelled, and imply various topics that we intend to tackle in detail in the present paper.

Keywords: variants, phonology, formulas, ritual promise, Western Algeria.

0. تقديم

إذا تحدّثنا عن ظاهرة الوعدة فينبغي التّطرّق إلى معناها اللّغويّ لاستخلاص اتّجاهات فهمها؛ فهي: مشتقّة من الفعل "وَعَدَ"، يعِدُ وَعْدًا...وَعَدَ فُلَانًا الأمر / وَعَدَ فلانًا بالأمرِ: منَّاهُ به، يجريه له أو ينيله إيَّاهُ. والوَعْدُ مَا يُقطَعُ من عَهْدٍ في الخيرِ والشَّرِّ، التزام باحترام عهدِ التّقيُّدِ به بأمانة([6]) بمعنى تعهّد بشيء ما؛ أي: أخذ على عاتقه هذا الأمر الذّي عزم عليه؛ لذلك يقال "وعد الحرِّ دَيْنٌ عليه" بمعنى الوعدُ يتطلّب الالتزام؛ فالوعدة هي تعهّد وقيام بالتزام معيّن، وتحمُّل مسؤوليّةٍ محدَّدة. وفي العرف الشّعبيّ هي عبارة عن احتفال دينيّ، يقوم به أبناء أو أحفاد أو سلالة وليّ من الأولياء الصّالحين([7]).

ينحصر مفهوم الوعدة في كونها ظاهرة، وهي حديثٌ عن طقوس لغويّة وطرائق دينيّة معيّنة؛ فهي بذلك نظام وترتيب وإقامة الشّعائر، ولا يمكن حصر مفهوم الوعدة الاصطلاحيّ في تعريف واحد جامع يكون محلّ اتّفاق للباحثين المتخصّصين. فقد خاض علماء النّفس والاجتماع والفولكلور والأنثروبولوجيا جهودًا معتبرة لمحاولة سبر أغوار هذه الممارسة الإنسانيّة، وكلّ ما يحيط بها([8]) وله علاقة بها من قريب أو بعيد. وهذا شيء طبيعيّ أن ينظر إليها كلّ باحث من وجهة تخصّصه.

وقد وجدنا تعريفات متباينة منها ما يقول عن الوعدة إنّها: مجموعة من الإجراءات والحركات التّي تأتي استجابة للتّجربة الدّينيّة الدّاخليّة، وتهدف إلى عقد صلة مع العوالم القدسيّة([9]) وفي ممارسة هذه الطّقوس، تأثيرات على مختلف الجوانب السّوسيولوجيّة.

يحيي سكّان الجزائر بعامّة، والغرب بخاصّة، وكذلك بعض مناطق شمال الصّحراء على مدار السّنة احتفالات شعبيّة، تعرف باسم: الوعدة أو الطّعم أو الموسم أو الرّكْب أو الزّرْدَة؛ حيث تكون في أوقات معيّنة وفترات ثابتة غالبا من كلّ سنة، وتنطلق هذه الاحتفاليّة الشّعبية؛ أي: الوعدة في فصل الرّبيع وتنتهي في فصل الخريف. كما تقام في العديد من بلديّات كلّ ولاية([10])، وما يلاحظ في هذا المقام، أنّه وإن اختلفت الوعدات في بعض التّمظهرات والخصوصيّات الاحتفاليّة؛ إلاّ أنّها تتشابه في عموميّاتها؛ لأنّ المغزى منها يتمثّل أساسًا في الحفاظ على التّقاليد الموروثة من الأجيال السّابقة؛ لهذا نجد المجتمع الجزائريّ يحرص على الحفاظ عليها ويتمسّك بها، كونها تمثل جسرا تواصليّا بالأجيال السّابقة.

وهذا الملتقى العلميّ دفعنا إلى التّعامل أكثر مع خصوصيّات الوعدة في الغرب الجزائري([11]) وانجرّ عن هذا البحث طرح عدّة إشكالات، تمثّلت في: ما هي مكانة الوعدات وأهمّيتها وخصوصيّاتها، وهل التمسّك بها مازال على حاله كما كان منذ سنوات، أم تغيّر وتبدّل وما أسباب ذلك؟ والأهمّ هو التّساؤل عن طرائق حفظها، والتّي مرتكزها الرّئيس يتمثّل في "التّعابير الفنّية" التّي من خلالها تحقّق التّعامل، ويكتمل التّواصل، ومن ثمّة حاولنا التّركيز على مختلف التّلوينات الفونولوجيّة، لتلك التّعابير الفنّية التّي يتمّ بها التّواصل والتّفاهم في الوعدة ـ بالغرب الجزائريّ ـ من جهة([12])، كما يتمّ من خلالها حفظ طقوس الوعدة.

1. مكانة الوعدة وأهدافها

يسعى المجتمع الجزائريّ دائمًا بمختلف ولاياته، لترسيخ "الوعدة" في ذهنيّات أبنائه من خلال التّرويج لها، والحثّ على حضور طقوس الاحتفال، وكما تعدّ فرصة لأبناء المنطقة، فهي فرصة أيضًا للأجانب السّيّاح والجالية التّي تأتي لقضاء عطلها، وهذا من أجل اكتشاف مناقب ومآثر هؤلاء المحافظين على هذا الموروث الشّعبيّ العجيب والمتميّز.

وتعدّ "الوعدة" بالنّسبة لبعض الأشخاص فسحة للفرجة والتّرويح عن النّفس، ولهذا دائمًا نسمع صوت البرّاح ينادي في الأسواق الشّعبيّة والأوساط والتجمّعات البشريّة في الأماكن العموميّة؛ بهدف الإعلان عن هذا الموعد المهمّ، حيث تقتصر وظيفة البرّاح بحسب تقاليد المنطقة –ثلا في ولاية غليزان– على تحويل المناسبات والتّعاقدات الجماعيّة إلى أخبار عامّة لفائدة جميع النّاس، ويكون دوره الأساسيّ نقل المعلومات من خلال تسجيل هذا الحدث المهمّ في ذاكرة المجتمع الجزائريّ، ومن ناحية أخرى إعطاء هذه المعلومات شرعيّة ومصداقيّة أكثر وبالخصوص إذا تعلّق الأمر بالوعدات([13]).

2. مميّزات الاحتفال بالوعدة

يتميّز هذا الاحتفال بنصب الخيام وإطعام المساكين وتلاوة القرآن الكريم، واستعراض فرق الفروسيّة القادمة من مختلف جهات الوطن، كما تعدّ الموسم المناسب لجمع المتخاصمين والإصلاح بينهم، حيث يعمد الأعيان والوجهاء وكبار القوم إلى تجنّب الانتقال إلى المحاكم الإداريّة، وهكذا تعود المياه إلى مجاريها من جديد .

وتُقام في مناطق الغرب الجزائريّ الكثير من الوعدات، مثل: ولاية غليزان ومعسكر وتلمسان وعين تيموشنت وسعيدة وتيارت وتيسمسيلت([14])، وغيره ([15])، هذه الأخيرة تعرف بوعدات موسميّة إكرامًا لأولياء الله الصّالحين المتواجدين في الأرياف والبلديات؛ حيث نجد تسميّاتها في الغالب نسبة إلى هؤلاء المخلصين لدين الله والمهتمّين بالشّؤون الاجتماعيّة لأهالي المنطقة التي كانوا يعيشون فيها.

وما يميّز هذه المناسبات هو التّكفّل التّام لعائلات المنطقة من أتباع أجداد كلّ ولي صالح؛ حيث يقومون بنصب الخيام لأجل إطعام الوافدين، وإقامة جلسات دينيّة يتلى فيها القرآن الكريم، وإلقاء دروس الفقه والسنّة؛ ذلك إلى جانب إقامة بعض السّهرات الفنيّة في المديح والطّرب البدويّ والإلقاء الشّعريّ، وما يثمّن هذه التّظاهرات والطّقوس الاحتفاليّة هو ألعاب الفنتازيا –والمتمثّلة في ركوب الخيل– والتي تشارك فيها فيالق عديدة قادمة من مختلف الولايات المجاورة –تيارت، تيسمسيلت، معسكر، سعيدة، عين تيمونشت...–

3. حضور الألعاب الرّياضيّة والحرف التّقليديّة في الوعدة

كثيرًا ما تنظّم بعض الرّياضات التّقليديّة، كلعبة العصا وإقامة حلقات شعبيّة من أجل تقديم عروض سمعيّة / بصريّة كاستئناس الأفاعي عند العيساوة، واللّعب بالنّار عند فرقة الحمداوة. ويغتنم هذه الفرصة بعض التّجار من أجل بيع منتجاتهم وبخاصّة الحرفيين منهم كبيع الزّرابي، والدّوم، والحلفاء، والفخّار، والفضّة، وصناعة الجلود إلى جانب بعض العقاقير التي لها صلة بالطبّ التّقليديّ، والتّوابل ذات العلاقة بفنون الطّبخ.

4. أشهر وعدات مناطق الغرب الجزائريّ

منها: وعدة سيدي يحي بسفيزف، سيدي بلعبّاس، وكذلك وعدة المْسِيد وتسمّى بِ (4 شاشيّة تقام في الصّيف، وبها مقام مصطفى بن ابراهيم، ووعدة بوحنيفيّة التّي تقام في الصّيف كذلك، وعدة فكَّان بمعسكر، ووعدة سيدي الكحايل بمدينة عين تيموشنت في فصل الصّيف، ووعدة البطيم بمغنيّة ولاية تلمسان، وعدة قرية مولاي التّهاميّ دائرة سيدي بوكرو ولاية سعيدة. وعدة عسْلة بمدينة عين الصّفراء ولاية النّعامة، والتّي تستغرق ثلاثة أيّام، وتمتدّ للتواصل أحيانا إلى أسبوع كامل([16]).

5. وعدات ولاية غليزان

من أشهر تظاهرات الوعدة التي تفتخر بها ولاية غليزان، نجد وعدة الولي الصّالح –سيدي امحـمّد بن عودة– التي تقام بالبلدية، حيث تشارك فيها قبيلة فليتة المعروفة بكثرة أعراشها، والبالغ عددها خمسة وعشرون 25 عرشًا، يتمّ فيها اجتماع مشايخ هذه العروش، لتحديد المهام والإعلان عن اليوم الرّسميّ لموعد التّظاهرة الذي ينطلق فيه جمع غفير في مسيرة من الوافدين يتقدّمهم المشايخ حاملين الرّاية المحمديّة عند مدخل البلدية بالتّهليل والصّلاة على الرّسول الأعظم سيدنا محـمّد –صلّى الله عليه وسلّم– متوجّهين إلى ضريح الوليّ الصّالح، حيث يتمّ كسوة القبر بحلّة مزركشة من الأقمشة والمحارم مع تلاوة القرآن الكريم من قِبل المشايخ وطلبة الزّوايا الوافدين لهذا الجمع النّبيل –من وجهة نظرهم–. كما تتخلّل هذه المسيرة أنغام الموسيقى الفلكلوريّة الشّعبيّة معبّرة عن فرحة هؤلاء بالموعد، وللعلم يتمّ الإعلان عن هذه الوعدة من قِبل البرّاح كما ذكرنا آنفًا، حيث يقوم بجمع التبرّعات من مختلف الأسواق الأسبوعيّة التي تقام عبر إقليم الولاية.

6. مدّة الوعدة وخصوصيّاتها الشّعبيّة

تدوم هذه الوعدة ثلاثة أيّام ابتداءً من يوم الاثنين من كلّ موعد، وفي اليوم الأخير يتمّ نصب الخيمة المنسوجة من الوبر الخام، والتّي يتمّ خياطة قطعها من ممثليّ كلّ عرش من قبيلة فليتة في جوٍّ بهيج من زغاريد النّساء، ونغمات الفلكلور والمديح وهذه كلّها تلوينات فونولوجيّة مؤثّرة، كما أنّه من شأنها جلب الاهتمام والانتباه، إلى جانب الألعاب بالعصيّ. بعدها يتناول الوافدون الطّبق التّقليديّ المتمثّل في الكسكس، ثمّ تنتشر الجماهير عبر مختلف الأماكن المقدّسة، منها: حجر"الباز" الّذي يقع بأعالي الجبل، ومقام سيدي عبد القادر وضريح سيدي امحـمّد بن عودة حيث يتكرّم الحضور بتبرعاتهم صدقة للولي الصّالح، ونفقة لمختلف الأعمال الخيريّة، وبعدها يتوجّه الزوّار إلى "منبع المالحة" يتوضّأ فيه المخلصون للتوجّه إلى "مغارة العبادة" التي يرتّل داخلها القرآن الكريم، تيمّنًا بالوليّ الصّالح.

7. الوعدة بين الماضي والحاضر

كان الجزائريّون في الماضي يقدّسون هذه المناسبة، ويعتبرونها طقسًا احتفاليًّا مهمًّا في الحياة الاجتماعيّة والدّينيّة والاقتصاديّة؛ فمن حيث الجانب الاجتماعيّ كانت تحقّق صلة الوصل بين الأقارب والنّاس، كما أنّها تصلح ما كان من خصومات ونزاعات وغيرها؛ أمّا الجانب الدّينيّ، فهي تذكّرهم بعباد الله الصّالحين وزهدهم في الحياة الدّنيا وتمسّكهم بالعبادة، وبخصوص الجانب الاقتصاديّ، فهي فرصة لعرض التّجار سِلعهم وصناعاتهم التّقليديّة لأجل بيعها([17]).

وأمّا في وقتنا الحاليّ؛ فنرى أنّ هذه الطّقوس الاحتفاليّة أصبح ينظر إليها نظرة غريبة ودخيلة، وكأنّها لم تكن موجودة في المجتمع الجزائريّ، ونظرة البعض هنا، أنّها من صنع الاستعمار الفرنسيّ، وجيء بها من أجل القضاء على المقاومة والسّيطرة على المجتمع.

كما يرى البعض الآخر، أنّها منافية للدّين الإسلاميّ؛ نظرًا لما تحمله من مظاهر الشّرك والتّمسّك بغير الله في قضاء الحوائج. وتبقى الرّؤية متذبذبة بين مؤيّد ومعارض؛ لكنّه بوسعنا القول: إنّه لكلّ طقس احتفاليّ شعبيّ سلبيّات وإيجابيّات؛ بحيث يمكننا رصدها من خلال الملاحظة والمتابعة والدّراسة؛ للكشف عن جوانب أخرى ما تزال تبدو مبهمة.

8. أهمّ الوعدات بمنطقة غليزان




9. السّمات الفونولوجيّة وتأثيراتها في الوعدة

1.9 فرق الفانتازيا:

لقد رأينا كثرة الوعدات في مدينة غليزان، واستمرارها لوقتنا الحالي، رغم ما شابَها من تحوّلات وتبدّلات، وهذه الاستمراريّة كانت التّعابير الفونولوجيّة سببا في بقائها، لأنّ المؤثّرات الفونولوجيّة الحاضرة والموظّفة في الوعدة لها انعكاساتها، وذلك في مثل "فرق الفانتازيا" وما تقوم به من استعراضات في ساحة كبيرة مخصّصة لهذا الغرض. وإنّ فرق الفانتازيا مرتكز لا بدّ من وجوده في الوعدة، وهي مؤثّر فونولوجيّ، كونها تقوم على مجموعة متباينة من الأصوات قبل إطلاق البارود مثلا "هَا هَا هَا خُوتي هَاااااهْ" هذا التّعبير الفنّيّ الفونولوجيّ يتكرّر كثيرا، وهو بمثابة جلب الاهتمام والانتباه من جهة، ومناداة بطريقة جماعيّة من رجال الفرقة.

فالفرقة لها تعابير تبدأ بها وأخرى تصاحب حركاتهم، وبعضها يلي استعراضهم، وتتبع كلّ مرحلة بزغاريد النّسوة المتعالية. ومن ميزات التّعابير الفنّيّة الفونولوجيّة هنا، اعتماد مدّ الأصوات كثيرا، والتّكرار، وكذلك تفخيم الأصوات وبخاصّة ما هو مرقّق أصلا، كما في زغاريد النّساء سمات فونولوجيّة متنوّعة، تختلف باختلاف طبيعة المنطقة، وطبيعة الصّوت، وسنّ المرأة، وغيرها من الخصوصيّات المؤثّرة على إرسال الصّوت.

2.9 . البرّاح وحلقات القصبة:

لاحظنا من خلال الكثير من الفيديوهات الخاصّة بالوعدات، والتّسجيلات والحصص التّلفزيونيّة، أنّ الحلقات والتّجمّعات لها حضور قويّ في الوعدة، حيث يحضر البرّاح ومعه بعض الأشخاص منهم من يحمل القصبة، ومنهم من يحمل الدّف، ومنهم من يجمع النّقود بعد كلّ عرض، ومنهم من يعرض بعض الحركات المشابهة للسّحر، لكنّه ينفي أن تكون كذلك، بل يقول هي حكمة أتاه الله إيّاها، وتوارثها أبا عن جدّ، وفرق العيساوة، وما تؤدّيه من استعراضات بالثّعابين.

هذا البرّاح له تأثير من خلال ما يعرضه من أغاني هادفة في معظمها: اجتماعيّة، صراع الخير والشّر، الحقّ والباطل، النّفاق والكذب، السّحر، المرأة، وبخاصّة موضوع محو الأميّة الذّي من خلاله يعرض حينا تحرّر المرأة وحقوقها، وأحيانا يعرض اللّباس غير المحتشم، وبعض التّصرّفات المرفوضة دينيّا واجتماعيّا من المرأة أو الرّجل على حدّ سواء، ويعرضها بطريقة فكاهيّة للتّرفيه، وإيصال الفكرة.

3.9 . المديح الدّينيّ:

لا تخلو الوعدات من ذكر الله، والصّلاة على رسوله الكريم، وأحيانا عرض مقتطفات من سيرته –صلّى الله عليه وسلّم– للعبرة والتّذكير، والاقتداء بمناقبه وصفاته وخصاله، وسرد جزء من قصص الأنبياء بحسب مقتضى الحال، وحسب ما تدعو إليه الحاجة. ويتخلّل هذا تأدية مقتطفات من بعض المدائح الدّينيّة.

4.9 . الأقوال المأثورة والشّعر الشّعبيّ والملحون:

كما لفت انتباهي الميل إلى أقوال "المجذوب" هذا الرّجل المعروف بالرّباعيّات المنسوبة إليه، والتّي كان لها صداها في كافّة شرائح وأوساط المجتمعات المغاربيّة. ومن أقواله الشّهيرة التّي تردّد في الوعدة:

مجْذُوب ما أَنا مجنون

غير الأحوالْ اللِّي دَارَتْ بِيَّا

قْريتْ في اللُّوح المحْفُوظْ

والسَّابْقَة سَبْقَتْ لِيَّا([18])

وهذا القول يحفظ ويكرّر كثيرا، رغم أنّ المجذوب يتحدّث عن نفسه، لكن ذلك فيه حكمة تنطبق على الكثير في إنكار النّاس بعض الأمور عن شخص ما، وبخاصّة الشّخص "المجدوب" بالدّال المهملة الذّي يزعم أنّه يعلم شيئا من الغيب، فيتكلّم بالألغاز، ويعمّي في أحاديثه، فيصعب تأويلها. ومن الشّعر قوله:




والحكمة من هذين البيتين، أنّ من لا يملك المال، وليس صاحب جاه ونفوذ مادّي، مكانته أقلّ دوما ممّن يضعون الشّواشي على جنب رؤوسهم حذو الأذن؛ أي: هذا مظهر من مظاهر التّميّز والتّألّق والتّأنّق في اللّباس([19]).

كما تحضر أبيات الشّاعر مصطفى بن ابراهيم بخاصّة في مختلف الوعدات، منها قوله:




ونرى اعتماد الكثير من الأبيات الشّعريّة، وروايتها أثناء الحلقات، منها ما يعرف أصحابه، فيتمّ الاستشهاد بأقوالهم على مواقف معيّنة، ومنها ما هو منقول شفويّ مجهولٌ قائله، وفي كلّ الأحوال يتمّ إلقاء الأبيات ذات الصّلة بالحكم والقيم الأخلاقيّة، والمعاملات الحسنة المستقاة من ديننا الحنيف، وفي ذلك كلّه حمولات فكريّة ودينيّة، وشحنات عروبة واعتزاز.

5.9 . الحكايا والألغاز والأمثال:

سمعنا في أكثر من موضع، وعلى لسان أكثر من شيخ وبرّاح في مختلف الوعدات، سرد بعض الحكايا الشّعبيّة، مع التّصرّف في ذلك عن طريق الاختصار، واختزال الأحداث، والإبقاء على الأهمّ منها. وأغلبها تدور حول العادات والتّقاليد، وتتخلّلها بعض الألغاز والأمثال الشّعبيّة المعروفة والمأثورة، وذلك قصد دفع المستمعين من الجمهور للمشاركة، والتّفاعل معهم، وبعض الألغاز من مثل "لحم فرطاس ما يبرد ما يقراص"([21]) وغيرها كثير، ويعتد في ذلك على التّكرار، ومن الأمثال بخاصّة في وعدات غليزان "الحُرّ بغمزة، والبَرْهُوشْ بدبزة" وقولهم "لَي مَكْسِي برَزْق النّاس عَرْيان" وفي المثل حكمة وعبرة عدم التّباهي بما ليس ملكا للشّخص([22]) وهي إشارة إلى الإنسان المتكبّر كذلك.

ومن المواضيع التّي يتمّ الحديث عنها في قالب فكاهيّ مضحك غالبا، موضوع "العجوز والكنّة" ومرّة يضرب له أمثلة إيجابيّة نحو قولهم "كَنْتِي دَايْمَة وْبَنْتِي هَايْمَة" أو سلبا فيقال "إذا فاهمت العجوز والكنّة بْليس يدخُلْ الجنّة"([23]) ففي الحالة الأولى "الكنّة" لها مكانة لا يمكن الاستغناء عنها، وفي المثل الثّاني الكنّة يستحيل أن تتفاهم مع أمّ زوجها. فضلا عن موضوعات اليُتْم واليتامى ومعاناتهم، والوالدين، وكلام النّاس، وغيرها كثير ممّا لا يسع المقام لذكره كلّه هنا؛ بحيث تُضرب الأمثلة وتُساق بحسب طبيعة الموضوع المعروض للجماهير.

10. خلاصة

إنّ تعاملنا مع موضوع "الوعدة" التّي هي في أصلها موروث شعبيّ، جعلنا نربطها بمختلف الموروثات والعادات والتّقاليد، وذلك لعلاقة التّكامل بينها، فلا يمكن قيام "وعدة" من دون جملة من التّعابير الفنّية التّي لها خصوصيّات فونولوجيّة، جعلت منها سمة لتلك الوعدة، وبها ومن خلالها تمّ الحفاظ على نماذج لعديد الوعدات الجزائريّة. وتبقى الوعدة بما تحمله من أبعاد دينيّة، واجتماعيّة ونفسيّة وفكريّة وأنثروبولوجيّة موروثا شعبيّا، وتقليدا يستحقّ الاهتمام، ويتطلّب العناية بمرتكزاته الإيجابيّة التّي يقوم عليها، وتنميتها وترقيتها إلى مصافّ العالميّة.

حاشية

* مديرة مخبر اللهجات ومعالجة الكلام. كلّية الآداب والفنون، قسم اللّغة العربيّة وآدابها. الاختصاص: لغويّات وصوتيّات. البريد الإلكترونيّ:
([6] ) ينظر، معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008 م، 2465 وما بعدها بتصرّف واختصار.
([7] ) ينظر، الأسطورة والمعنى دراسات في الميثولوجيا والدّيانات المشرقيّة، فراس السوّاح، منشورات دار علاء الدّين، دمشق، سورية، ص 129 بتصرّف.
([8]) ظاهرة الوعدة الشّعبيّة في الجزائر بين الاعتقاد والممارسة، عبد القادر فيطس، مقال بمجلّة الثّقافة الشّعبيّة، البحرين، 2017 م، العدد 17. وينظر في الموضوع، سيدي غانم تراث وثقافة، معاشو بوشمة، دار الغرب للنّشر والتّوزيع، وهران، 2002 م، ص 13 وما بعدها. وينظر، ظاهرة الوعدة، دراسة أنثروبولوجيّة، أحمد بن أحمد، رسالة ماجستير، معهد الثّقافة الشّعبيّة، تلمسان، 1999 م.
([9]) ينظر، المكتب السّمعيّ البصريّ، مصلحة النّشاطات الثّقافيّة، مديريّة الثّقافة، غليزان – الجزائر، أرشيف: 2015 م، 2016 م، بتصرّف.
([10]) ومعظم الوعدات الجزائريّة المشهورة تقام في الغرب أو شمال الصّحراء.
([11]) وقد التقت إشكاليّة هذا الملتقى العلميّ مع أهداف مخبر (اللّهجات ومعالجة الكلام) بجامعة وهران1، كلّية الآداب والفنون، بقسم اللّغة العربيّة وآدابها، هذا المخبر يديره أ.د. مكّي درّار كما أشرف من خلاله على الفرقة الثّانية مع جملة من الباحثين والأساتذة؛ حيث نعمل على دراسة وتحليل الموروثات الشّعبيّة التّي تمثّل جزءا لا يتجزّأ من الهويّة الوطنيّة، والتّي تتمثّل في: الشّعر الشّعبيّ والملحون، الحكاية الشّعبيّة، الأمثال والحكم، وغيرها كثير ممّا لا يسع المقام لذكره كلّه هنا وكلّ ماله علاقة بتوارث العادات والتّقاليد في مختلف المناسبات.
([12]) وركّزنا على الغرب الجزائريّ لسعة الموضوع وتشعّبه، ولأنّ مداخلة لا تكفي الموضوع حقّه؛ بل يلزمه عدّة بحوث متتالية ومتكاملة، كما نودّ الإشارة إلى أنّ تعاملنا مع الغرب الجزائريّ كان من خلال نماذج معيّنة فقط، وبخاصّة ولاية غليزان؛ ذلك لأنّ كلّ ولاية تحتفل بعدّة وعدات موسميّة، ولكلّ وعدة خصوصيّات معيّنة.
([13]) سبر آراء لبعض المختصّين في التّرات الثّقافيّ اللاماديّ والماديّ، غليزان، أبريل 2017 م. بتصرّف.
([14]) ينظر للاستزادة: موسوعة التّراث الشّعبيّ لتيارت وتيسمسيلت، علي كبريت، دار الحكمة، وزارة الثّقافة، د.ت. ج 2، ص 18 وما بعدها. تكوّن تيسمسيلت من ثماني دوائر، هي: (ثنيّة الحدّ، لرجام، برج بونعامة، خميستي، الأزهريّة، عمّاريّ، وبرج الأمير عبد القادر) وتتضمّن اثني وعشرين دائرة. وينظر، مجلّة الغروب المحلّيّة، دار الثّقافة لولاية تيسمسيلت، 2005 م.
([15]) وقد أحصينا بعض الوعدات في الغرب؛ بل أشهرها –وليست كلّها- .
([16]) هذا جمع وإحصاء شخصيّ ومختصر، ولا ندّعي أنّه شمل كلّ الوعدات بالمدن والولايات المذكورة.
([17]) المكتب السّمعيّ البصريّ، مصلحة النّشاطات الثّقافيّة، مديريّة الثّقافة، غليزان – الجزائر، أرشيف: 2015 م، 2016 م. بتصرّف.
([18]) مأخوذة من كتاب: قالْ المجذوب، لعبد الرّحمن ربّاحيّ، دار الكتب، الجزائر، ط 3، مارس، 2011 م، ص 23.
([19]) قالْ المجذوب، لعبد الرّحمن ربّاحيّ، ص 83، بتصرّف.
([20]) ينظر، مصطفى بن ابراهيم، شاعر بني عامر ومدّاح القبائل الوهرانيّة، عبد القادر عزّة، موفم للنّشر، وزارة الثّقافة، في إطار تلمسان عاصمة الثّقافة الإسلاميّة، الجزائر، 2011 م، ص 293 / 294. للإشارة الأبيات لم ترد مشكولة، فهي اجتهادي الشّخصيّ للأمانة العلميّة.
([21]) وحلّ اللّغز هو الللّسان، ويضرب البرّاحون الكثير من الأمثلة، ويذكرون الكثير من الألغاز، ويسردون العديد من الحكايا عن اللّسان، ومشاكله. ينظر، موسوعة الألغاز الشّعبيّة، جميلة جرطي، دار الحضارة، الجزائر، ط 1، 2007 م. 25 / 26.
([22]) الأمثال الشّعبيّة في منطقة غليزان، سعاد بسناسي وآخرون، منشورات مخبر اللّهجات ومعالجة الكلام، من أعمال الفرقة الثّانية: بن عدّة فاطمة، رحّال هشام، بلعيد تازغت، والمؤلّف تحت الطّبع سيصدر قريبا عن دار أمّ الكتاب، مستغانم، وتليه إصدارات أخرى في المجال نفسه –بحول الله تعالى-.
([23]) للاستزادة، موسوعة الأمثال الجزائريّة، رابح خدوسي، دار الحضارة، الجزائر، د.ت. ص 130 / 131.

Additional information

BIBLID : [1133-8571] 24 (2017) 35-45.



Buscar:
Ir a la Página
IR
Non-profit publishing model to preserve the academic and open nature of scientific communication
Scientific article viewer generated from XML JATS4R