Secciones
Referencias
Resumen
Servicios
Descargas
HTML
ePub
PDF
Buscar
Fuente


Muqāraba dilāliyya fī maˁānī l-istifhām al-balāġiyya [“Aproximación semántica a los sentidos retóricos de la interrogación”]
Al-Andalus Magreb, no. 22, pp. 285-303, 2015
Universidad de Cádiz

Artículos

Al-Andalus Magreb
Universidad de Cádiz, España
ISSN-e: 2660-7697
Periodicity: Anual
no. 22, 2015

Published: 31 January 2015

ملخص: نبين، في هذا المقال، أن أسلوب الاستفهام يتناوب بين المعاني البلاغية لكونه يتدرج من معنى إلى آخر ومن حقل دلالي إلى حقل آخر. ونبين، أيضا، أن هذه المعاني مترابطة ويصعب الفصل بينها كما يصعب تحديد وتوجيه المعنى الغالب فيها. إنها معان مولدة دلاليا عن المعنى النواة وتقوم على التراتب والتسلسل والتدرج والتقاطع، مُكوِّنة في ذلك حقول دلالية متداخلة، وذلك حسب طبيعة المعنى النواة في البنية. وبناء على تحليل بعض أدوات الاستفهام، نبين مدى توافق السمات الصوتية لهذه الأدوات ومعانيها البلاغية. ونخلص إلى أن تناوب البنية الاستفهامية بين هذه المعاني مبني على خصائص دلالية وعلى سمات صوتية.

الكلمات المفتاحية: أسلوب الاستفهام, معان بلاغية, خصائصدلالية.

Resumen: “Aproximación semántica a los sentidos retóricos de la interrogación”. Este artículo estudia la cuestión del estilo interrogativo y su relación con los procedimientos retóricos, así como su forma de ir alternando de un significado a otro y de un campo semántico a otro. Se muestra también la interrelación de esos significados y la dificultad de discernirlos y de determinar el significado predominante. Se trata de significados generados desde el significado nuclear, basados en una secuencia jerárquica que admite intersecciones y solapamiento de campos semánticos, dependiendo del significado nuclear de la estructura. A partir de un análisis de algunas marcas interrogativas mostramos la compatibilidad entre los rasgos fonológicos y los significados retóricos de esas marcas, concluyendo que la alternancia de significados en la estructura interrogativa se basa en las propiedades semánticas y en los rasgos fonológicos.

Palabras clave: Estilo interrogativo, significados retóricos, propiedades semánticas.

Abstract: “A semantic approach to the rethorical meanings of question style”. This paper deals with the question style and his relationship whit the rhetorical meanings and the movement from one semantic field to another. We show, also, that these meanings are interrelated and are difficult to separate, as well as to define the predominant meaning. These meanings are generated from the nucleus meaning in a hierarchy and sequenced basis which allows for some degree of intersection and some overlapping of the semantic fields, depending on the nature of the nucleus meaning in the structure. Based on the analysis of some of the question words, we show the phonologic features compatibility of these question words and their rhetorical meanings. We conclude that the alternation of this interrogative structure between these meanings relays on semantic properties and phonologic features.

Keywords: Question style, rhetorical meanings, semantic properties.

مقاربة دلالية في معاني الاستفهام البلاغية

تقديم

يعد أسلوب الاستفهام من أساليب الإنشاء الطلبي في الجملة العربية سواء كان مباشرا أو غير مباشر. ودراسة بنية الاستفهام تتجاوز المعنى الحقيقي الإبلاغي، (أي طلب الفهم والمعرفة عن شيء نجهله)، لتدل على معان مجازية اختلف البلاغيون في تحديدها كالنفي والأمر والتعجب والتمني وغيرها. إنها معان لا يمكن تحديدها بسهولة لأنها تتطلب استقراء السياق وما يتضمنه من تأويلات. فهي تراكيب تكون بصيغة الاستفهام ولا تتطلب أجوبة، أي تراكيب خبرية يبحث من خلالها المستفهم عن تصور ذاتي، فيكون الاستفهام بمعنى الخبر لا بمعنى الإنشاء.

يدفعنا البحث في هذا الموضوع إلى تحديد الخصائص الدلالية المميزة لأدوات الاستفهام وعلاقتها بالمعاني البلاغية، وكذا تخصيص السمات الصوتية لبنية الاستفهام كمكون من المكونات الدلالية.

نحاول،في هذه الورقة، تجاوز التصور التقليدي للاستفهام والبحث في البنية الداخلية للجملة الاستفهامية، أي البحث في طبيعة العلاقة التي تجمع أدوات الاستفهام بباقي مكونات الجملة. ندرس، في نقطة أولى، معاني أدوات الاستفهام ونبين مدى تأثيرها في المعنى البلاغي للجملة الاستفهامية. ثم نقف عند التأويلات الضمنية والكشف عن المعاني البلاغية النواة والمعاني المولدة عنها دلاليا، ونبين أن هناك تعالقا بين هذه المعاني وأنها تقوم على التراتب والتسلسل والتدرج. ونبين، في نقطة ثانية، دور السمات الصوتية، كمكون من المكونات الدلالية، في تخصيص وتوجيه المعاني البلاغية، معتمدين المنهج الوصفي التحليلي المبني على السمات والخصائص كالعدد والنسبة والدرجية والنبر والتنغيم وغيرها.

1. في تعريف الاستفهام

الاستفهام لغة هو طلب الفهم، واصطلاحا هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن. وقد عرفه ابن فارس بالاستخبار قائلا: "الاستخبار هو طلب خبر ما ليس عند المستَخبِر، وهو الاستفهام ([1]).

وقيل فيه: "هو طلب العلم بشيء اسماً أو حقيقةً أو صفة أو عدداً لم يكن معلوماً من قبل([2]).

والاستفهام نوعان:

أ) استفهام حقيقي يكون الغرض منه طلب الفهم ومعرفة شيء لم يكن معروفا من قبل، فهو استفهام قائم على الأصل اللغوي كما جاء عند ابن فارس.

ب) استفهام مجازي يقصد به المتكلم معنى من المعاني البلاغية، فهو أسلوب يُستخدم في اللغة لتحقيق هدف معين. أي استفهام نتجاوز فيه المعنى الحقيقي للوصول إلى المعنى الضمني.

إن أسلوب الاستفهام أسلوب لغوي نصوغه بصيغة استفهامية، وبمجرد ما نستفهم يتبادر إلى الذهن مجموعة من التساؤلات أهمها عما نسأل. وبما أن الجمل تتكون من أكثر من مكون فإن كل مكون فيها يكون صالحا لأن نسأل عنه. وإذا أردنا أن نصوغ الاستفهام من البنية (1) مثلا.

(1) ضرب زيد عمرا

فيمكن أن نسأل فيها عن حدث الضرب وعن منفذ الضرب كما يمكن أن نسأل عن ضحية الضرب. هذه الإمكانات تستلزم اعتماد قواعد خاصة وسمات معينة في الأداة التي ننتقيها، هذا بالإضافة إلى مجموعة من العناصر الأخرى التي تساهم في صياغة البنية الاستفهامية منها اللغوي ومنها غير اللغوي.

2. أدوات الاستفهام وخصائصها

بما أن الاستفهام معنى من معاني الطلب، كان لا بد من تحديد أدوات تدل عليه وقد تم تصنيفها إلى حروف وأسماء. يمثل الصنف الأول الحرفان الهمزة وهل. أما الصنف الثاني فتمثله الأسماء المبنية وهي من، وما، وكم، وكيف، ومتى، وأنى، وأيان، والاسم المعرب أي. و تنقسم أدوات الاستفهام إلى ما يدل على التصديق وما يدل على التصور وما يدل عليهما معا.

- تدل الأداة هل بمعنى التصديق والمقصود به إدراك نسبة المسند للمسند إليه، لأن المستفهم يتردد بين وقوع الحدث وعدمه ويُنتَظر إجابة بين الإثباث والنفي كما في البنية (2).

(2) هل حضر الرئيس؟

نسأل، في هذه البنية، عن نسبة الحضور للرئيس، أي هل تحقق حضور الرئيس أم لم يتحقق. فالسؤال بـهل يحيط بالبنية ككل ويخص كل مكوناتها. وأما معنى التصور فتختص به كل أدوات الاستفهام باستثناء هل، ويقصد به (التصور) طلب تعيين واحد من اثنين، حيث يكون التردد بينهما فنسأل بصيغة التعيين، كما في البنية (3).

(3) أحضر الرئيس أم النائب؟

فتكون الإجابة بتحديد الحاضر من الاثنين على اعتبار أن حدث الحضور واقع لكن لا نعرف الموضوع المحور الذي وقع عليه.

ثم معنى التصور والتصديق وتمثله همزة الاستفهام بمفردها حيث يسأل بها عن نسبه وقوع الحدث وعن تعيين وتخصيص عنصر محدد، ونمثل لها بالبنية (4).

(4) أ) أنجح زيد؟

ب) أزيد نجح أم عمرو؟

نسأل في البنية (4أ) عن نسبة وقوع الحدث أي هل نجح زيد أم لم ينجح. أما السؤال في البنية (4ب) فيعني أن الحدث وقع ولا نعلم الموضوع الذي وقع عليه.

تشترك أدوات الاستفهام في تموقعها في صدر البنى، وهذا ما يفيد معنى الاستفهام فيها. ولعل هذه خاصية أساسية تميز أسلوب الاستفهام عن باقي الأساليب الأخرى، كما تميز الأداة بكونها مستعملة للاستفهام لا لمعنى آخر. ولعل البنيات في (5و6) توضح ذلك.

(5) أ) متى نلتقي؟

ب) نلتقي متى أتيحت لنا الفرصة.

(6) أ) كم كتابا ضاع؟

ب) نحدد كم الكتب التي ضاعت.

يختلف معنى متى وكم بين البنيتين (أو ب)، فإذا كانت البنيتان في (5أ و6أ) يفيدان الاستفهام لكونهما يتصدران البنيتين، فإن هذا لا تفيدانه في (5ب و6ب).

من هنا كان لخاصية الصدارة في البنية الاستفهامية دورا أساسيا في تحديد أدوات الاستفهام رغم اختلاف تخصيصها كما نوضح في الفقرة التالية.

2.1. ﺣرﻓﺎ الاستفهام

ﺃ) الهمزة:

تكون الهمزة في صدارة البنية وتعتبر أصل أدوات الاستفهام، توظف لطلب التصور والتصديق.

كما توظف للتعبير عن الاستفهام الحقيقي والمجازي. وتتميز الهمزة، عن باقي الأدوات، بكونها تَخُص المكون المباشر لها في البنية التركيبية كما نبين في البنى (7).

(7) أ) أ كتب الطالب قصيدة؟

ب) أ طالب كتب قصيدة؟

ج) أ قصيدة كتب الطالب؟

يختلف المعنى في البنى (7) من بنية إلى أخرى، ففي (7أ) يخص السؤال حدث الكتابة، وفي (7ب) يخص كاتب القصيدة وفي (7ج) يخص صنف الكتابة.

ب) هل:

توظف هل لطلب التصديق، والسؤال بها يخص البنية التركيبية ككل. وتعد ضربا من الموجهات يتم بها التأكيد أو التصديق ([3]). إن هذه الخاصية هي التي جعلت هل لا تظهر إلا مع الرتبة المبتدئة بفعل عكس الهمزة، كما تبن الأمثلة في (8) ([4] ( .

(8) أ) هل جاء الرجل؟

ب) *هل الرجل جاء؟

2.2. ﺃﺳﻤاﺀ الاستفهام

سميت بأسماء الاستفهام، رغم أنها ليست موضوعة في الأصل للاستفهام وإنما هو عارض فيها، لأنها تضمنت معناه فحُملت عليه. ويرى النحاة أن استعمال هذه الأسماء كأدوات للاستفهام إنما كان طلبا للاختصار ويُغني عن الكلام الكثير. فهي أسماء تحمل معنى في نفسها وتغنيك عن ذكر ما يليها. فيمكن أن نقول: إلى أين؟ عوض أين ذاهب؟ ونفهم منها تحديد الوجهة والمكان.

ونقولكيف ذلك؟ عوض كيف وقع الحدث؟ ونفهم طلب وصف الحدث .

وكم لديك؟ وتعني طلب تحديد العدد .

ونقول متى ذلك؟ أي طلب تحديد الزمن الذي وقع فيه الحدث.

ونقول من ؟ ونفهم أن الأمر يتعلق بتحديد شخص معين لأن من تخص العاقل.

نلاحظ، إذن، أن المعنى المقصود يفهم من الأدوات الأسماء بمعزل عن التركيب، وأن المعنى الذي تدل عليه الأداة في البنية ممعجم فيها. وسنبين هذا في فقرة موالية.

3. معاني الاستفهام البلاغية

يميز الجرجاني بين حمل العبارة اللغوية على ظاهرها وحملها على المجاز. أي أن العبارة اللغوية يمكن أن تدل بلفظها على معناها، ويمكن أن تدل على غير معناها اللفظي، فيحدد معناها الملتبس بواسطة التأويل([5]). فالمعنى، إما أن يكون صريحا فيؤخذ من اللفظ، وإما أن يكون ضمنيا فيؤخذ من التركيب أو من علاقة الكلمة بظروف إنتاجها. هذا التمييز يوازي ما جاء في الأبحاث التي عالجت الاستفهام وقسمته إلى استفهام قائم على الأصل اللغوي واستفهام تكون الغاية منه معنى من المعاني البلاغية.

ويعد سعد الدين التفتازاني أول من أثار خروج الاستفهام عن معناه الأصلي، قائلا:"إن هذه الكلمات الاستفهامية كثيرا ما تستعمل في غير الاستفهام مما يناسب المقام بمعونة القرائن وتحقيق كيفية هذا المجاز" ([6]). وفي نفس السياق يقول الدسوقي "استعمال الاستفهام في التحقير إما مجاز مُرسل على ما قيل، أو أنه كناية وهو أولى، أو أنه من مستتبعات الكلام"([7]).

نفهم من النصين أن الاستفهام إذا خرج عن معناه الحقيقي يوظف لمعان أخرى كالمجاز والكناية وغيرها من المعاني التي تحدد من السياق والتأويل. فهي معان كثيرة اختلف اللغويون في تحديدها. فلا يمكن حصرها فيما جاء عند سيبويه (التنبيه والتعجب والتوبيخ و التقرير)، أو عند الفراء (الإخبار والتعظيم والتعجب والتوبيخ)، أو عند القزويني الذي توسع فيها وعرض أبرزها (كالاستبطاء والتعجب والتنبيه والوعيد والأمر والتقرير والإنكار والتهكم والتحقير والتهويل والاستبعاد والتوبيخ والتعجب). فالاختلاف هنا يبين أهمية ضرورة استقراء التراكيب، لأن المعاني تتولد حسب السياق وتتداخل فيها المستويات اللغوية كاملة (المستوى الصوتي والمستوى التركيبي والمستوى الدلالي والمستوى الذريعي). إن هذا التداخل يجعل تصنيفها في معنى معين نسبيا وليس قارا. ولكي يتضح التصور أكثر ننظر في تداخل المعاني البلاغية وتسلسلها من خلال تعاريف بعضها وهي كالتالي:

3.1. التقرير

التقرير هو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بحدوث الفعل وأن الحدث استقر عنده. والتقرير إذا دخل على النفي صار موجبا، كما نبين في (9).

(9) أ) أ تكذب علي وأنا عارف بالحقيقة؟

ب) هم أناس أمضوا العمر في رعايتنا، أليس من حقهم أن نتذكرهم ونرعاهم نحن بقية العمر، إنهم مرضى.([8])

تتضمن البنية (9أ) خبرا نفاه المخاطَب وتجعله يعترف به، فهو تقرير يصاحبه تعجب. وفي البنية (9ب) تقرير مبني على التذكير. ولأن همزة الاستفهام دخلت على النفي فصار إثباتا، وبالتالي فالبنية تفيد التقرير. نلاحظ هنا أن التقرير ورد متداخلا مرة مع التعجب ومرة مع التذكير، ويمكن التمثيل له بمايلي.

(10) تقرير -> تعجب -> تذكير

2.3 . النفي

يصاغ النفي بصيغة الاستفهام ويحقق بمعنى النفي، فنقول:

(11) أ أصدقك ومازلت تكذب؟

إن التلفظ بهذه البنية يثير الدهشة والاستغراب. فهي بنية تفيد التعجب والإنكار والتكذيب والنفي بقولٍ مفاده أنت كاذب ولا يمكنني تصديقك مادمت مستمرا في الكذب . ويمكننا أن نتصور مجموعة من النتائج التي يمكن أن تتولد دلاليا عن هذا الحدث وأهمها التقرير والتوبيخ كما نبين في التمثيل التالي.

(12) النفي ← الإنكار ← التعجب ← التقرير ← التكذيب ← التوبيخ

3.3. الإنكار

غالبا ما يلازم التكذيبُ والتوبيخُ معنى الإنكار ، ويقتضي أن ما بعده غير واقع، فهو أسلوب يثير الاستغراب. وعرفه الجرجاني بكونه تنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه ويخجل ويرتدع ويعي الجواب، إما لأنه قد ادعى القدرة على فعل لا يقدر عليه، وإما لأنه همَّ بأن يفعل ما لا يُستصوب فعلُه فإذا رُوجع فيه تنبه وعرف الخطأ، وإما لأنه جوَّز وجود أمر لا يوجد مثله.

وقد توسع العلماء في مفهوم الإنكار وذكروا أنه يرد إما للتوبيخ بمعنى ما كان ينبغي أن يكون، أو بمعنى لا ينبغي أن يكون فهو توبيخ ونهي في نفس الوقت، أو بمعنى لم يكن وهذا تكذيب. ويمكن أن نستنتج هذا من البنى التالية.

(13) أ) أتشرك بالله وهو خالقك؟

ب) أتدعي المعرفة أمام أصحابها؟

ج) كيف تشكون في الذي ضحى من أجلكم؟

فحدث الشرك بالله في (13أ) يثير الدهشة ويفيد التعجب والاستنكار ويترتب عنه توبيخ المستفهِم للمخاطَب ونهيه عما يقوم به. وتفيد البنية (13ب) التكذيب لأن في مضمونها أشياء غير صحيحة وأحداث غير واقعية لأن المخاطَب ينتحل صفة العارف بالأشياء وهي غير متوفرة فيه.

أما البنية (13ج) فتفيد إنكارا يقتضي أن ما بعده ليس حقيقة وغير واقعي، وهذا يدل على التعجب والانفعال ويتولد عنه التوبيخ لأن حدث الشك يجب ألا يكون. فمعنى الإنكار الممثل له في (13) يُولِّد معاني التعجب والتكذيب والتوبيخ والنهي كما يبين التمثيل التالي.

(14) الإنكار ← تعجب ← تكذيب ← توبيخ ← ﻧﻬﻲ .

4.3. التعجب

التعجب هو استفهام لفظا وتعجب في المعنى، ويدل على الاستمرار لأن المستفهم يتعجب من كيفية وقوع الحدث أو سبب وقوعه. ويعرفه الغلاييني قائلا: "التعجب هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية".([9])

فهو استعظام أمر ما قد يكون إيجابيا فيكون تعظيما وتفخيما، وقد يكون سلبيا فيكون تهويلا. وفي الحالتين معا يحددهما المكون الذي يلي الأداة مباشرة كما تبين الأمثلة (15).

(15) أ) ما أجملَ السماء!

ب) ما أشد عقوبة العصيان!

ج) أي يوم كيوم الحساب!

نلاحظ أن بالإضافة إلى التعجب في البنى (15)، هناك معنى التفخيم والتعظيم في (15أ) ومعنى التهويل والتخويف في (15ب) ويجتمع المعنيان معا في (15ج).([10])

فإذا كان معنى التعجب معنى ظاهرا، فإن هناك معان أخرى تُولَّد عنه دلاليا ونمثل لها بما يلي.

(16) التعجب ← التقرير ← الإنكار ← التعظيم ← التفخيم ← التهويل ← التخويف ← التوبيخ.

5.3. التوبيخ / اﻟﻌﺘﺎب

يكون التوبيخ نتيجة حدث سالب، فهو أسلوب يتوجه به المستفهم لسبب حدث مناقض للصواب. أي لا يمكن للمخاطب أن يقوم بما قام به ويجب عليه القيام بما هو مخالف. فهنا توبيخ نتج عنه تنبيه وتوجيه وأمر. والتوبيخ عتاب وما يزيد عليه، لأنه أعلى درجة منه، فقد يكون عتابا وعقابا في نفس الوقت. نقول مثلا.

(17) أتعصى الله، ويل لك

فالتوبيخ في البنية يدل على أمر ثابث يثير الاستغراب والتعجب والتهويل والتخويف، لأن العصيان حدث إنكاري يقتضي التوبيخ بالدرجة الأولى. فالاستفهام هنا يدفع المخاطَب إلى العدول عن حدث ما كان ينبغي أن يقع ([11]). ومن المعاني البلاغية التي تولد عن التوبيخ نجد مايلي:

(18) ﺍﻟﺘﻮﺑﻴﺦ ← ﺍﻟﻌﺘﺎﺏ ← ﺗﻌﺠﺐ ← ﺗﻘﺮﻳﺮ ← ﺇﻧﻜﺎﺭ ← ﺍلتعظيم )تكثير ← (التهويل (تكثير) ← التخويف ← ﺍﻟﻨﻬﻲ ← ﺍﻷﻣﺮ([12]).

نلاحظ في معنى التوبيخ معان مُتَضمَّنة في البنية وأخرى يستلزمها المعنى النواة كالتعظيم والتهويل والتخويف. إنها معان تتضمن التشديد الذي يفيد التكثير.

6.3. التكثير

قد يخرج الاستفهام عن أصله الوضعي إلى غرض التكثير والتعدد والتكرار وكلها مفاهيم يقع فيها الحدث أكثر من مرة، نقول مثلا.

(19) كم ود أن يقتحم الحقائق الكبرى ولكن أعياه العجز والجهل (جهل الحقائق)([13]).

وإذا تأملنا البنية (19) نجد أن كل مكون فيها يدل على معنى من المعاني البلاغية. فالمعنى النواة هو التكثير بما أنها تتصدر بــكم الاستفهامية بالإضافة إلى معنى التذكير الذي يفرضه التأويل. ويليها التمني المتَضَمَّن في الفعل ودَّ. وفي المقابل نجد معان أخرى كالتأسُّف والتَّحسُّر وهي معان دلالية تولدت عن العوائق، المتمثلة في العجز وجهل الحقائق كاملة، التي حالت دون بلوغ الهدف. ويمكن التمثيل لهذا التسلسل والتوليد في المعاني بما يلي.

(20) التكثير -> التمني -> التأسف -> التحسر-> التعجيز

7.3. التمني

التمني هو طلب حدوث أو الحصول على شيء غير محقق وقد يكون من الصعب تحقيقه. فهو طلب يكون أكثر من مرة دون تحقيق المراد، مما يفيد الاستبطاء. وللتوضيح ننظر في المثالين التاليين.

(21) أ) كم انتظرتك ولم تأت واليوم انتهى الأجل المحدد للدفع

ب) كم تمنيت أن تتأنى في أخذ المبادرة لكن دون جدوى

تؤول البنيتان في (21) على التمني المتعدد والمكرر لكن الحدث لم يتحقق نتيجة الاستبطاء كما في (21أ)، أو على حدث تحقق بالتسرع وكان ينبغي ألا يتحقق كما في (15ب). والتمني في البنيتين معا وقع أكثر من مرة مما يفيد التكثير. وفي مقابل التكثير والتمني نجد التكثير والتحسر ونمثل له بالبنية (22).

(22) كم حذرتك من التوقيع دون الاستشارة.

تدل البنية (22) على التأسف والتحسر على حدث تكرر أكثر من مرة وما كان يجب أن يكون.

رغم اختلاف المعنى النواة في البنى (21 و22) بين التمني والتحسر، فإنها تشترك في دلالتها على التكثير، ويمكن التمثيل لهذا التداخل بمايلي.




8.3. الأمر والنهي

إذا أخذنا بفرضية تسلسل المعاني البلاغية وتعالقها فسيكون النفي والنهي من المعاني التوجيهية بالدرجة الأولى، لأنها تولدت عن أحداث ما كان ينبغي أن تكون، وتعوض بأحداث مخالفة لها. أي يجب أن ننبه وننهي ونأمر بما هو صائب. فمعنى الأمر يتجلى في التركيب الذي يجسد حدثا غير حاصل وقت الطلب ويجب القيام به، فنقول.

(24) ألاتعرف الصدقة، أنت بخيل.

فمعنى البنية يجب أن تَتَصدَّق .أما معنى النهي فهو طلب العدول عن أمر ما، نقول مثلا.

(25) هل تخشى مواجهة الخونة وأنت على حق في اتخاذ القرار؟

فالبنية (25) استفهام في صيغة النهي. ومعناها لا تخشى مواجهة من خانوا الأمانة، ومعك الحق في أخذ القرار.

غالبا ما يتولد معنى الأمر والنهي عن أحداث لا يمكن القيام بها ويجب أن نقوم بما يخالفها. إنها معان تبنى بالتناوب.

ويمكن تلخيص معاني الاستفهام البلاغية فيما يلي.




نلاحظ أن المعاني البلاغية للاستفهام متداخلة ومتشابكة ويصعب التمييز بينها كما يصعب معها تحديد وتوجيه المعنى الغالب فيها. فهي معان تقوم على التراتب والتسلسل والتدرج والتوليد، وذلك حسب طبيعة المعنى النواة في البنية الاستفهامية الواحدة. ونشير إلى أن التراتب فيها متغير لكونه يبنى حسب البنية التي وظف فيها وحسب المعنى الغالب. إنها معان تتولد عن بعضها البعض ويتحكم فيها السياق والتأويل. ونلاحظ، أيضا،أن جل المعاني غالبا ما تتكرر مع المعاني الأخرى سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. من هنا فهي تشكل طبقات دلالية تقوم على التقاطع. أي عندما نصل إلى أقصى معنى في الحقل ننتقل إلى المعنى النقيض والمولد دلاليا، وبالتالي، ننتقل إلى الطبقة أو/الحقل الدلالي الموالي، ويبقى الترابط والتوالد قائما كما جاء في التمثيلات أعلاه.

4. معاني الاستفهام البلاغية والبنية الصوتية

إن تحديد دلالة الحروف يقوم على تحليل سماتها الصوتية. فدلالة الحرف متضمنة فيه ([14]). وللصوت دور أساسي في تحديد معنى الحرف، وبالتالي، في تخصيص معنى الجملة وذلك حسب طبيعة النطق. ويتضح الفرق، مثلا، من خلال نطق الهمزة بالمقارنة مع هل. نلاحظ أن هناك رخاوة في نطق الهمزة والشدة في نطق هل. ولعل هذا التمييز في السمة بين.

Importar imagen [± شدة] ينعكس على المستوى الصوتي للجملة، فهو نبر سياقي (أو دلالي)، حسب تمام حسان، لأنه يميز بين دلالة السياق التوكيدية والتقريرية والتهكمية وغيرها ([15]). فنبرة التوكيد أقوى من نبرة التقرير حيث تكون درجة الصوت في الأول مرتفعة بالمقارنة مع الثاني. ولتحديد المعنى المقصود من جملة ما نخص كلمة من كلماتها بحيز عال بالمقارنة مع باقي المكونات الأخرى. ويبدو هذا التمييز واضحا من خلال استقراء البنية (27).

(27) هل حضر الرئيس اجتماع البارحة؟

تدل البنية (27) على معان متعددة لكونها يمكن أن تنطق بطرق مختلفة. فإذا تم الوقوف أو الضغط على الفعل فالمقصود من الجملة التأكيد والاستغراب والتعجب، وإذا وقع على الموضوع الخارجي فالغاية منه تأكيد حضور الموضوع المحور، وإذا وقع على الظرف تكون الغاية منه تحديد الزمان.

إن هذه التغييرات في الدرجات الصوتية، أو كما يسميها البعض بالنبر والتنغيم والضغط وغيرها من المسميات([16])، تبين معاني الجملة وتمكننا من تصنيفها بين تقريرية واستفهامية وتعجبية وغيرها، ولكل منها نبر أو تنغيم خاص ومتميز. فالجملة الخبرية تختلف عن الجمل الإنشائية على مستوى الآداء الصوتي. فالأولى تتسم بأحداث قطعية وتقريرية، أما الثانية فيتسم نطقها بالمرونة وانخفاض الصوت قصد التأثير في المتلقي لتنفيذ الحدث والاستجابة له. من هنا، كان للمستوى الصوتي دور بلاغي لكونه يعكس حالة المتكلم من غضب أو انفعال أونفي أونهي أواستنكار أو إثبات أو غيرها.

نلاحظ، إذن، أن التغييرات الصوتية لها أهمية بالغة في توجيه المعاني اللغوية عامة ومعاني الاستفهام بصفة خاصة. وقد أشار ابن جني إلى هذا عندما تحدث عن النبر في الاستفهام قائلا:"لفظ الاستفهام إذا ضامه معنى التعجب استحال خبرا، وذلك قولك: مررت برجل أي رجل. فأنت الآن مخبَر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهما([17]). نفهم من قول ابن جني أن التلفظ بالاندهاش والتعجب المصاحب للاستفهام غيَّر من أسلوب الجملة. وما يؤكد هذا، أننا نجد جملا خالية من الأدوات التي تساعد على تصنيفها ويبقى الغرض منها واضحا ومفهوما، ويكون للآداء الصوتي دور أساسي في تحديد معناها. وفي المقابل نجد جملا استفهامية فيها الأداة ولا تدل عليه.

تقع الجملة العربية، إذن، في صيغ مختلفة ويرجع الاختلاف فيها إلى المستوى الصوتي أساسا. ولعل البنية (28) توضح ذلك.

(28) أ مُعترفا مرة ونافيا أخرى؟

تحمل الجملة في بنيتها العميقة توبيخا وتعجبا من حال المخاطب لكونه يتردد بين موقفين وليس قارا على رأي واحد. إنها معان ليست واضحة في البنية التركيبية بل متضمَّنة في البنية الصوتية من خلال النبر والتنغيم القوي، باعتبارهما سمات صوتية تعمل على نقل الجمل بين معان مختلفة ومتعددة، وذلك حسب ارتفاع الصوت وانخفاضه. وفي هذا السياق يقول عمر مختار "إن التنغيم هو الذي يغير الجملة من خبر إلى استفهام إلى توكيد، إلى انفعال، إلى تعجب وبنفس الكلمات المكونة لها" ([18]). ويقول إبراهيم أنيس:وتختلف معاني الكلمات تبعا لاختلاف درجة الصوت عند النطق بالكلمة" ([19]).

نفهم من النصين أن للسمات الصوتية دورا أساسيا في تحديد وتوجيه المعاني البلاغية للاستفهام. ولعل هذه السمات تبدو واضحة في (29).

(29) أ) أقياما وقد قعد الناس (التعجب والتوبيخ والإنكار).

ب) هل نقارن بين العالم والجاهل ( التعجب والنفي والإنكار).

تدل البنيتان، في المستوى السطحي، على الاستفهام لوجود الأداة، لكن البنية الصوتية تبين عكس ذلك. فهما بنيتان خبريتان تفيدان التعجب والتوبيخ والإنكار في (29أ) والتعجب والنفي والإنكار في (29ب). وفي مقابل هذا، يمكن أن تدل البنية (30) على الاستفهام رغم حذف الأداة.

(30) عدد الطلبة الناجحين؟

فمضمون البنية هو كم عدد الطلبة الناجحين؟ فهي بنية استفهامية حذفت منها الأداة "كم"وعوضت بالنبر والتنغيم.

إن هذا يبين أن الجمل في العربية تعتمد على السمات الصوتية لتحديد المعنى البلاغي دون أن يكون في بنيتها ما يدل على هذا المعنى. فسمتا النبر والتنغيم أساسيتان في تحديد المعنى المراد وتوجيهه، ويمكن أن تعوضا أداة الاستفهام عند حذفها، كما يمكن أن تلغي وظيفتها بإعطاء الجملة معنى آخر غير معنى الاستفهام، نقول مثلا.

(31) حضر الطلبة الناجحون.

إذا استعملت النبرة الصوتية مستوية فإن البنية تفيد الإخبار والتقرير، وإذا استعملت النبرة الصوتية عالية فإنها تفيد الاستفهام.

فالمعاني البلاغية للاستفهام، إذن، تفهم من التراكيب وما يصاحبها من سمات وخصائص صوتية وليس من الأدوات وحدها. فقد تحذف الأداة عند وجود سمة صوتية تدل عليها ويبقى معنى الاستفهام قائما([20]). وهكذا، إذا أردنا تصنيف المعاني البلاغية للاستفهام حسب الآداء الصوتي، فإننا سنميز بين طبقتين: واحدة تتحقق بالصوت المرتفع كما في (32أ)، والثانية تتحقق بالصوت المنخفض كما في (32ب)([21]).

(32) أ) الأمر، النهي، التنبيه، التعجب، النفي، التحذير، التهديد، التأكيد، التقرير، التذكير، التشويق، الوعيد، الاستبعاد، الافتخار، التحضيض، التعظيم والتفخيم.

ب) العتاب، التكثير، التمني، الدعاء، التوبيخ، التهكم، التجاهل، التحقير، الإنكار، الاسترشاد، الاكتفاء، الاستبطاء والتفجع.

إن معاني الطبقة الأولى تتطلب من المتكلم نوعا من الصرامة والتشدد والاستعلاء والتأكد من أجل الضغط على المتلقي لتنفيد الحدث المطلوب. عكس معاني الطبقة الثانية التي تدل على تواضع المتكلم وتأسفه.

5. السمات الصوتية لأدوات الاستفهام

إذا نظرنا في خصائص حروف العربية، نجد توافقا بين السمات الصوتية لهذه الحروف وبين معانيها في التراكيب. وإذا كانت هناك بعض الاستثناءات فقد تكون محدودة وقليلة. وتحديد معنى الجملة تشارك فيه خصائص الحروف العربية باعتبارها مكونا من مكوناتها. يقول عباس حسن في خصائص الحروف العربية:" إن معنى كل لفظة هو في الأغلب مُحَصِّلة خصائص أصوات الحروف، أي معانيها ([22]). مفاد القولة أن كل حرف له دلالة كامنة فيه. فالحرف أساس الكلمة والكلمة أساس الجملة. ولتوضيح هذا أكثر نقف عند تحليل السمات الصوتية لبعض أدوات الاستفهام وخصائصها ونبين مدى تأثيرها في المعاني البلاغية. سوف أمثل ببعضها لأن ذلك يحتاج إلى دراسة موسعة على غرار أبحاث عباس حسن.

5.1. حرف الهمزة

إذا نظرنا في السمات الصوتية للهمزة نجدها تتوافق مع معانيها. ولعل سمة الانفجار فيها بانفراج الفكين عن بعضها البعض تمنحها التوسع والامتداد. من هنا كانت لها الصدارة على الإطلاق واستعملت في الاستفهام بلا قيد ولاشرط. فهي غير مخصصة وتوظف للتعبير عن كل المعاني البلاغية تقريبا. ولعل هذا ما جعل عباس حسن يصنفها ضمن الأحرف الضعيفة الشخصية، حيث يقول:"لم نلحظ أي تأثير يذكر لخصائصها الصوتية في معانيها، مما جعلنا نتوهم أنها من الأحرف الضعيفة الشخصية" ([23]). مفاد القولة أن الهمزة غير مخصصة ولا تؤثر في توجيه البنية ولا تُخصَّص لمعنى معين، بل تطاوع كل المعاني البلاغية تقريبا، وتوظف في السؤال عن كل مكونات البنية.

5.2. الحرف هل

تتميز عن غيرها من الأدوات بكونها مختلفة الخصائص، وذلك حسب نطقها. فإذا نطقت مشددة فهي توحي بالاضطراب والقطع والكسر والتخريب. وإذا نطقت رخوة فإنها توحي بالحزن والبؤس وما يماثلها. فالسمة الصوتية [ ±رخو/± شدة] في هل هي التي تحدد المعنى البلاغي الذي يتناسب معها. إن نطق الهاء كصوت أول يثير انتباه السامع لما يأتي من كلام وإلى أهميته، وجمعها مع اللام كصوت للإلصاق والالتصاق والجمع والإلزام يوحي بأن توظيفَها، يعني هل، في الطلب يقتضي الوضوح والإلزام، والسؤال بها يتطلب جوابا إما موجب أو سالب ولا يمكن الجمع بينهما. من هنا، كانت توظف في طلب التصديق. ومن المعاني البلاغية التي ارتبطت بها النفي والإنكار والتأكيد. أما دلالتها على التمني فيمكن ربطها بخاصية صوت الهاء كحرف ينتمي، حسب عباس حسن، إلى طبقة الأحرف الدالة على الشعور للمعاني الجيدة ([24]). وفي نفس السياق يقول الغلاييني: "لو وهل قد تفيدان التمني، لا بأصل الوضع، فالأولى شرطية والثانية استفهامية"([25]).

ويمكن التمثيل لهذا بما يلي.

(33) هل من صاحب حق يتذكرنا، لقد مللنا الانتظار.

فالبنية (33) تفيد التمني وتعني لا يوجد من ينصفنا وأتمنى أن يتحقق لنا ذلك.

فالسمات الصوتية في هل لها دور أساسي في دلالة البنية على التصديق وفي انتقاء المعاني البلاغية التي تفيدها.

5.3. الأداة كم

تتكون كم من الكاف كصوت يتميز بالاحتكاك الذي يكون بين شيئين أو أكثر، وهذه سمة تفيد الكثرة والتراكم، ومن الميم كصوت جهري متوسط الشدة والرخاوة وشفهي ينتج بضم الشفتين ([26]).

إن جمع الصوتين يولد كم التي تفيد الجمع والضم والتعدد والكثرة. وللتوضيح ننظر في البنيتين (34و35).

(34) أ) كم كتابا ألفت؟

ب)* كم كتبا ألفت؟

(35) أ) كم كتابٍ ألفت.

ب) كم كتبٍ ألفت.

نميز في هذه البنى بين كم الاستفهامية وكم الخبرية .ونلاحظ أن البنية الاستفهامية لا تطاوع الجمع وهذا ما يبرر لحن البنية (34ب)، لأننا نسأل عن تحديد عدد الكتب التي ألفت فنقول كم كتابا ألفت ولا نقول كم كتبا ألفت. أما البنى الخبرية فتصاغ بصيغة المفرد وصيغة الجمع كما يتبين في البنية (35ب) فهي تدل على الكثرة من خلال التذكير بعدد الكتب التي ألفت. والفرق بين كم الاستفهامية وكم الخبرية يتمثل في كون الأولى تفيد طلب تحديد عدد الكتب المؤلفة. أما الثانية فتحمل إخبارا وتذكيرا بكثرة الكتب المؤلفة. إن دلالة الكثرة كمعنى بلاغي في بنية كم الخبرية يتلاءم مع السمات الصوتية لحرفي الكاف والميم والمتمثلة في الدلالة على الجمع والتراكم والتكثير.

5.4. الأداة كيف

يتميز الكاف باختلاف النطق، فإما أن يكون الصوت خافتا ويدل على الخشونة والحرارة والقوة، وإما أن يكون الصوت بنبرة التفخيم فيوحي بالضخامة والامتلاء والتجميع والتراكم. ومن معانيها الفطرية الاحتكاك وهي خاصية تحد من تصرفها. مما يجعلها لا تدل إلا على معاني قليلة ومحدودة. ولاستكشاف معانيها البلاغية ننظر في الأمثلة (36).

(36) أ) كيف تشكون في الذي خدمكم طول العمر؟

(بنية تفيد النفي والإنكار والتعجب والتوبيخ).

ب) كيف تعيش النخب القائدة؟ وكيف يعيش عامة الشعب ([27]

(بنية تفيد التعجب والإنكار)

ج) كيف ألخص ذلك الحماس الذي كان يلهيني عن كل شيء([28]

(بنية تفيد التعجب والنفي)

إن الخشونة والقوة والضغط في نطق كيف يوحي بأن المعاني التي تفيدها لا يمكن أن تكون إلا سلبية. ولهذا، فالبنى (36 أ-ج) تدل على معاني التعجب والتوبيخ والنفي والإنكار .

5.5. الأداة أي

تتشكل أي من صوتين: الهمزة والياء. ولعل سمة الانفجار المحدودة في الهمزة تثير انتباه السامع ويجعلها توسم بالتشديد في النطق وتساهم في توليد المعاني التي يستعمل فيها الصوت العالي كالتعجب والإنكار والتوبيخ كما في (37أ). هذا بالإضافة إلى معنى النسبة فيها كما في (37ب).

وهكذا، فإن البنى الاستفهامية التي تتصدرها أي تفيد النسبة والتخصيص والتعيين كما يتبين في الأمثلة التالية.

(37) أ) أي بشر أنتم أيها المجرمون.

ب) أيكم يأتيني بعرشها.

تحتمل البنية (37أ) أكثر من معنى لأنها تتضمن التعجب والإنكار والتوبيخ من سلوك أو حدث وقع ولا يجب أن يقوم به إنسان طبيعي. أما البنية (37ب) فتفيد طلب تعيين عنصر من المجموعة الموجه لها السؤال. فهي تفيد معاني الإنكار والتوبيخ والتعجيز والاستحالة والتحدي وغيرها.

بناء على هذا نلاحظ أن الأدوات الممثل بها أعلاه تبين مدى تطابق سمات وخصائص أدوات الاستفهام مع المعاني البلاغية للجمل الاستفهامية التي تتصدرها، كما تبين إلى أي حد تؤثر هذه السمات في البنية.

6.خلاصة

بينا، في هذا التحليل، أن أسلوب الاستفهام يتناوب بين المعاني البلاغية لكونه يتدرج من معنى إلى آخر ومن حقل دلالي إلى حقل آخر. وبينا، أيضا، أن هذه المعاني مترابطة ويصعب الفصل بينها كما يصعب تحديد وتوجيه المعنى الغالب فيها. إنها معان مولدة دلاليا عن المعنى النواة وتقوم على التراتب والتسلسل والتدرج والتقاطع، مُكوِّنة في ذلك حقول دلالية متداخلة، وذلك حسب طبيعة المعنى النواة في البنية. وحاولنا، أيضا، من خلال تحليل بعض أدوات الاستفهام، أن نبين مدى توافق السمات الصوتية لهذه الأدوات ومعانيها البلاغية. وخلصنا إلى أن تناوب البنية الاستفهامية بين هذه المعاني مبني على خصائص دلالية وعلى سمات صوتية.

المراجع

البلخي، محمد إبراهيم محمد شريف (2006)، أساليب الاستفهام في البحث البلاغي وأسرارها في القرآن الكريم، بحث لنيل الدكتوراه، الجامعة الإسلامية العالمية، اسلام آباد-باكستان.

ابن جني، أبو الفتح عثمان: الخصاص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العرب، بيروت، 1952.

أبن فارس، أحمد، الصاحبي في فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، تحقيق أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (1997).

أبو موسى، محمد محمد (1987)، دلالات التراكيب، دراسة بلاغية، مكتبة وهبة، الطبعة 2، القاهرة.

التفتازاني، سعد الدين: المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، تحقيق عبد الجميد الهنداوي، ط.3، دار الكتب العلمية، بيروت 2013.

الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تحقيق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، لبنان، (1987).

جمعة، حسين، (2005)، جمالية الخبر والإنشاء، دراسة بلاغية جمالية نقدية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق.

أحمدمختار، عمر (1697): دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب، القاهرة، مصر.

النجار، سلوى (2010): التعجب بين التركيب والدلالة، مركز النشر الجامعي، منوبة.

أنيس، إبراهيم، (1961): الأصوات اللغوية، دار النهضة العربية، القاهرة.

برادة، محمد (2003)، لعبة النسيان، دار الأمان، الرباط.

بكير، أحمد عبد الوهاب (1997): معجم أمهات الأفعال: معانيها وأوجه استعمالها، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

حسان، تمام (1974): مناهج البحث في اللغة، دار الثقافة، البيضاء،الطبعة الثانية.

حسن، عباس (1998): خصاص الحروف العربية ومعانيها. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق.

حسن، عباس (2000): حروف المعاني بين الأصالة والحداثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق.

حيدر، علي حلو الخرسان،(2013)، الضغط اللغوي وأثره في الدلالة، مجلة كلية الآداب، العدد 103،ص.ص.1-40، جامعة بغداد.

السعدية، صغير (2005): التضعيف المعجمي، أبحاث لسانية، المجلد 10،العدد1، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط.

السعدية، صغير (2015): في المعجم العربي، علاقة أفعل بفعل في لاروس، منشورات دار الحامد، عمان، الأردن.

سيبويه، أبو بشر عمرو ابن عثمان، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983.

عوض، سامي ونعامة، عادل علي (2006)، دور التنغيم في تحديد معنى الجملة العربية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد 28، العدد 1،ص.ص.87-109، جامعة تشرين، اللاذقية، سورية.

الغلاييني، مصطفى (2005): جامع الدروس العربية، دار الحديث، القاهرة .

غياث، محمد بابو(2008): الجملة الإنشائية بين التركيب النحوي والمفهوم الدلالي، أطروحة الدكتوراه، جامعة تشرين.

الفاسي الفهري، عبدالقادر (2010): ذرات اللغة العربية وهندستها، دراسة استكشافية أدنوية، دار الكتاب الجديد المتحدة، لبنان.

فيود، بسيوني، عبد الفتاح (1998)، علم المعانى - دراسة بلاغية و نقدية لمسائل المعاني، مؤسسة المختار الإسلامي، مصر.

كامل سعيد، شهرزاد،(2011)، النغمة في اللغة العربية، مجلة جامعة دمشق، المجلد، 27.

مدونة العربية http://mtools.kacstac.org.sa/Pages/search.aspx

مزاحم، مطر حسين (2007)، أثر التنغيم في توجيه الأغراض البلاغية لعلم المعاني، الاستفهام نموذجا، مجلة القادسية في الأدب والعلوم التربوية، ص.ص.39-48، جامعة القادسية.

منور العتيبي، بدرية (2008): الأساليب الإنشائية في شعر لبيد بن ربيعة، مواقعها ودلالتها، بحث لنيل درجة الماجستير في البلاغة والنقد، جامعة أم القرى.

ناغش، عيدة (2012) أسلوب الاستفهام في الأحاديث النبوية في رياض الصالحين، دراسة نحوية بلاغية تداولية، بحث لنيل درجة الماجستير في علوم اللغة، جامعة مولود معمري، تيزي وزو.

حاشية

(1) الصاحبي، ص.292.
(2) حسين جمعة (2005)، ص.136.
(3) الفاسي الفهري (2010)، ص163.
(4) حسب تصور الفاسي وطبقا لكتب النحو القديم.
(5) الجرجاني، ص.202 وما بعدها.
(6) المطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، ص.419.
(7) منور العيبي بدرية، ص.25.
(8) مدونة العربية http://mtools.kacstac.org.sa/Pages/search.aspx
(9) الغلاييني ( 2005 )، ج.1، ص. 52 .
(10) التعجب (التعظيم والتفخيم)/ التعجب (التهويل والتخويف
([11]) من المعاني التي تشكل مع التوبيخ حقلا دلاليا نجد العتاب، التوبيخ، التقريع، التعنيف، والتبكيت، وهي معاني تقوم على التراتب والدرجية.
([12]) نلاحظ ورود معنى التكثير مع معنيي التعظيم والتهويل لأن كلا منهما فيه تشديد المؤدي إلى التعدد، أي أن الحدث فيهما وقع أكثر من مرة.
([13] ) أمهات الأفعال، ص. 1069.
([14]) الحروف العربية هي صور صوتية لظواهر وأحداث واقعية.
([15]) تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، ص.164 وما بعدها.
([16] ) الفرق بين النبر والتنغيم هو أن الأول ضغط على الكلمة المفردة والثاني تشكيل صوتي للجملة أو العبارة.
([17]) لخصاص، ج.3، ص. 269.
([18] ) عمر أحمد مختار (1997) ، ص.310.
([19] ) ابراهيم أنيس (1961) ص. 124.
([20]) حيدر علي حلو الخرسان (2013)، ص.23.
([21]) مزاحم مطر حسين (2007)، ص.43.
([22] ) عباس حسن (1998)، ص. 187.
([23] ) عباس حسن (2000)، ص. 146.
([24] ) عباس حسن (2000)، ص. 122 وما بعدها.
([25] ) الغلاييني (2005)، ص.629.
([26]) عباس حسن (2000)، ص. 131 - 132.
([27]) لعبة النسيان، ص. 79.
([28]) لعبة النسيان، ص. 69.


Buscar:
Ir a la Página
IR
Non-profit publishing model to preserve the academic and open nature of scientific communication
Scientific article viewer generated from XML JATS4R