La imagen del fuego en la poesía andalusí: estudio analítico- descriptivo

Número

Descargas

Visitas a la página del resumen del artículo:  14  

DOI

https://doi.org/10.25267/AAM.2024.v31.101

Información

Artículos
1-23
Publicado: 19-12-2024
PlumX

Autores/as

Resumen

La investigación pretende estudiar la imagen del fuego en la poesía andalusí, desvelar sus características, los poetas más destacados que la describen y extraer imágenes innovadoras en su descripción. La investigación incluye un prefacio y dos partes principales. El prefacio se tratan las fuentes de la literatura y el patrimonio que dedicaron capítulos especiales a la descripción del fuego. La primera parte versa sobre el fuego en su forma física, que se ramificaba en varios puntos: fuego de carbón y ceniza, fuego de estufa y descripción del fuego con características femeninas, describiendo el fuego en su movimiento y quietud, el fuego de la vela y la lámpara, el fuego del aceite sobre el agua. La segunda parte se centra en el fuego en su imagen metafórica, como el fuego de la pasión, el fuego del amor y el fuego de la guía y la injusticia. La investigación concluye con una serie de resultados. En este caso, los más importantes son: la poesía que describe el fuego se presenta en forma de estrofas, y las distintas imágenes del fuego, entre tradicionales e innovadoras. Para lograr los resultados deseados, hemos utilizado el enfoque analítico descriptivo además del enfoque estético

Palabras clave


Descargas

Los datos de descargas todavía no están disponibles.

Texto completo

صورة النَّار في الشّعر الأندلسي، دراسة وصفيّة تحليليّة

THE IMAGE OF FIRE IN ANDALUSIAN POETRY, A DESCRIPTIVE-ANALYTICAL STUDY 4

LA IMAGEN DEL FUEGO EN LA POESÍA ANDALUSÍ: ESTUDIO ANALÍTICO- DESCRIPTIVO

Mohamm e d Banat

Al-Quds university Abu Dies- Palestine

Recibido: 20/11/2023Aceptado: 10/03/2024

ملخّص:يتناول هذا البحث دراسة صورة النَّار في الشّعر الأندلسي والكشف عن ملامحها، وأبرز الشُّعراء الوصَّافين لها، ورصد الصُّور المبتكرة في وصفها لديهم. وقد اشتمل البحث على تمهيد ومحورين رئيسين، خُصَّ التمهيد للحديث عن كتب الأدب والتُّراث التي أفردت فُصُوْلًا وأبوابًا خاصَّة في نعت النَّار، وتناول المحور الأوّل النَّار في صورتها الماديَّة الَّتي تفرّعت على عدد من النّقاط: نار الفحم والرماد، ونار الكانون، ووصف النار بصفات المرأة، ونعت النار في حركتها وسكونها، ووصف نار الشمعة والقنديل، ونار النّفط على الماء. أما المحور الثاني فتركَّز على النار في صورتها المجازية، كنار عن نار الهوى، ونار اللوعة والاشتياق، ونار الهداية والظلم. وخلص البحث إلى مجموعة من النتائج، أهمها: مجيء الشعر في وصف النار على شكل مقطوعات، وتنوَّعت صور النَّار بين التقليدية والمبتكرة. وكي يحقق البحث النتائج المرجوة، فقد استعان الباحث بالمنهج الوصفي التّحليلي إضافة إلى المنهج الجمالي.

الكلمات المفتاحية: النَّار- الرَّماد- الجمر- الكانون- السّراج- الشّمعة- الموقد.

Resumen: La investigación pretende estudiar la imagen del fuego en la poesía andalusí, desvelar sus características, los poetas más destacados que la describen y extraer imágenes innovadoras en su descripción. La investigación incluye un prefacio y dos partes principales. El prefacio se tratan las fuentes de la literatura y el patrimonio que dedicaron capítulos especiales a la descripción del fuego. La primera parte versa sobre el fuego en su forma física, que se ramificaba en varios puntos: fuego de carbón y ceniza, fuego de estufa y descripción del fuego con características femeninas, describiendo el fuego en su movimiento y quietud, el fuego de la vela y la lámpara, el fuego del aceite sobre el agua. La segunda parte se centra en el fuego en su imagen metafórica, como el fuego de la pasión, el fuego del amor y el fuego de la guía y la injusticia. La investigación concluye con una serie de resultados. En este caso, los más importantes son: la poesía que describe el fuego se presenta en forma de estrofas, y las distintas imágenes del fuego, entre tradicionales e innovadoras. Para lograr los resultados deseados, hemos utilizado el enfoque analítico descriptivo además del enfoque estético.

Palabras clave: fuego, cenizas, carbón, incinerador, cañón, lámpara, vela, chimenea.

Abstract: The research aims to study the image of fire in Andalusian poetry, reveal its features, the most prominent poets who describe it and extract innovative images in describing it. The research included a preface and two main parts. The preface was devoted to talking about the sources of literature and heritage that allocated special chapters to describe fire. The first part dealt with a fire in its physical form, which branched into several points: coal and ash fire, stove fire, and describing fire with the characteristics of women. Describing the fire in its movement and stillness, the fire of candle and lamp, the fire of oil on the water. The second part, focuses on the fire in its metaphorical image, as the fire of passion, the fire of love, and the fire of guidance and unfairness. The research concluded with a set of results, the most important are: the poetry describing fire came in the form of stanzas, and the images of fire varied between traditional and innovative. To achieve the desired results, the researcher used the analytical descriptive approach in addition to the aesthetic approach.

Keywords: fire, ashes, coals, incinerator, cannon, lamp, candle, fireplace.

إشكالية البحث:

من خلال استعراض الكتب والمراجع الخاصَّة بالأدب الأندلسي، لفتت أنظار الباحث قضايا عديدة لم يتناولها الباحثون والدّارسون بالدّرس المفصَّل، أو أنَّهم تناولوها بشكل مقتضب، أو أشاروا إليها إشارة عابرة. ومن بين القضايا التي استرعت انتباه الباحث موضوع وصف النَّار في الشّعر الأندلسي، فلم أعثر على أي بحث أو دراسة مستقلّة تطرَّقت لهذا الموضوع من قريب أو من بعيد، وهذا ما دفعني إلى البحث في هذا الاتجاه والكتابة فيه.

أهمي َّ ة البحث:

تكمن أهميَّة البحث في أنّه لم يحظ بعناية الباحثين في الشّعر الأندلسي، فأفضت فيه الحديث عن النّار ومتعلّقاتها، وأبرزت الدَّور الذي اضطلع به الشُّعراء الأندلسيّون في ابتكار الصُّور في هذا اللَّون من الوصف، إضافة إلى رصد العناصر الَّتي تشكَّلت منها الصُّورة مع أنَّ الموصوف واحد، ولا بدّ من الإشارة إلى أهميَّة الكشف عن إسهامات الشُّعراء في هذا الجانب، وبخاصّة تبيان أثر الطّبيعة في رسم ملامح الصّورة من ناحية، وانعكاسها على نفسيّة الشّعراء من ناحية أخرى.

أهداف البحث:

تنحصر أهداف البحث في تحليل عناصر الصُّورة في هذه الجزئية من فنّ الوصف، والوقوف عند أدقّ التّفاصيل المتعلّقة برسم أبعادها على اختلاف أشكالها، فضلًا عن الموازنة بين الشُّعراء والمفاضلة بينهم فيما يقدّمون من لوحات جماليّة بديعة، وكذلك يهدف البحث إلى الوقوف على التّشبيهات والصُّور الفنّيّة التي ابتدعها الشُّعراء في وصف النار في الإطارين التّقليدي والمبتكر.

الدراسات السابقة

في حدود علم الباحث لم ينفرد أحد من الدراسين المحدثين بدراسة مُستقلّة في وصف النّار في الشّعر الأندلسي، والدّراسة الوحيدة التي عثرت عليها، هي: "دلالة النّار بين ابن سارة الشنتريني وعبد اللَّطيف عبد الحليم (أبي همام)" للباحث أحمد نبوي الذي تناول الموازنة بينهما من منظور حداثي يختلف تمامًا عن البحث الذي بين أيدينا. أمّا الدراسات السّابقة عن النّار في الشّعر العربي لدى الشعراء المشارقة فهي كثيرة، إذ يضيق المقام عن حصرها في هذه الجزئية من البحث، ولعل أبرزها: "النار: دلالتها الفنية والموضوعية في الشعر الجاهلي" لكمال الجبوري، و "النّار في التُّراث العربي: دراسة دلاليَّة اجتماعيَّة" للباحثة عزّة غراب. ومن الرَّسائل الجامعيَّة التي أعدّت في هذا المجال "النّار في الشّعر العربي إلى نهاية القرن الرابع الهجري" للباحث إبراهيم بن سعد القحطاني. ومن الدّراسات الحديثة البحث الموسوم بـ "دلالة النّار في الشعر العربي المعاصر- نماذج شعرية مختارة" لنزيهة العايب.

وبعد اطّلاع الباحث على تلك الدّراسات تبيّن له أنّها تختلف عن الدّراسة الّتي سيقوم بها، كونها تتّصل بالأدب العربي في المشرق، ومنها ما تناول الصُّور الدّلاليّة والرّمزيّة في الشّعر المعاصر، في حين أنّ الدّراسة الحالية تقتصر على الأدب الأندلسي فحسب، فضلًا عن تناول الدّراسات السّابقة لموضوع النّار في سياقه الدّيني والتّاريخي والأدبي، والبحث عن الرّموز المتّصلة بتوظيف النّار في التُّراث العربي، وذكر أسمائها وأنواعها.

المنهج:

اقتضت طبيعة البحث توظيف المنهج الوصفي التّحليلي، فهو الأنسب لمثل هذا النّوع من الأبحاث، فضلًا عن الاستعانة بالمنهج الجمالي في الكشف عن عناصر التّصوير الفنّي لدى الشّعراء. ويعزو الباحث السّبب وراء اختيار هذين المنهجين كون البحث تاريخيًّا أدبيًّا، وبطبيعة الحال فإنَّ المنهج الاستقرائي التّحليلي هو الأنسب للبحوث التّاريخيّة. أمّا بالنّسبة لاستخدام المنهج الجمالي فيأتي من منطلق أدبيّة البحث، والرّغبة في الكشف عن مواطن الجمال في النُّصوص الفنّيّة التي انتخبها الباحث، والموازنة بين أساليب الشُّعراء في ابتداع الصُّور الفنّيّة، وتبيان الأثر الّذي تركته تلك الصُّور في نفسيّة القارئ.

التّمهيد :

كانت الطَّبيعة وما زالت مصدر إلهام لدى الشُّعراء في مختلف العصور، فوصفوا كلّ شيء فيها أدقّ وصف، وراحوا يقدّمون لنا لوحات بديعة منحوتة بالكلمات لكلّ ما فيها من متحرّك وصامت، ومن اللَّافت للنَّظر وقوف الشُّعراء عند موصوفات بعينها؛ وهذا ما يجعلها تشكّل ظاهرة لافتة للنَّظر عند الباحثين والدَّارسين.

والنَّار واحدة من هذه الظّواهر الّتي اهتمَّ بها الشُّعراء بعامَّة، ومؤلّفو الكتب بخاصّة، فأكثر النَّفر الأوّل من الخوض في الحديث عنها في عصور الأدب المختلفة، وتناولها الآخرون في تضاعيف كتبهم بدرجات متفاوتة تفصيلًا وإيجازًا، وأفرد بعضهم لها أبوابًا وفصولًا خاصَّة، فنجدهم يتحدّثون عن أصلها، وألوانها، وأسمائها، وتعظيمها، وعُبَّادها، وغير ذلك من القضايا التي يطول ذكرها في هذه الجزئيَّة من البحث.

بالنَّظر في كتب التُّراث نجد الجاحظ (ت255هـ) يهتمُّ بها كثيرًا، فاستهلَّ الجزء الخامس من "كتاب الحيوان" للحديث عنها في "باب الكلام على النّار"، واستطرد كثيرًا في تفصيل ما نحن بصدد تناوله في هذا البحث. أما الآبي (ت421هـ)، فأورد في الجزء الرّابع من كتابه "نثر الدّرّ" تفصيلًا دقيقًا لأسماء نيران العرب دون إيراد شيء من الأشعار التي قيلت في وصفها.

وإذا نظرنا إلى كتاب "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"، فإنَّنا نجد الثَّعالبي (ت429هـ) يتوسّع كثيرًا في ذكر النّيران وأسمائها، فسجَّل لنا ستة وثلاثين اسمًا لها، وعرَّف كلّ واحد، وأورد نماذج من أشعار العرب في التّدليل عليها، وضرب الأمثال بها.

تجدر بنا الإشارة إلى الجهد الذي قام به التّيفاشي (ت651هـ) في كتابه "سرور النّفس بمدارك الحواسّ الخمس"، فقد أفرط في الحديث عن النار ومتعلّقاتها في الباب الثامن، فتحدّث عن صفة الزّندة، ونار النّفط، ونار الفحم والكوانين، والأحطاب، والأدخنة، والأرمدة، وألوان النَّار، ووصف النَّار، ولم يكتف بذلك، بل خصّ الباب التّاسع للحديث عن أوصاف الشُّموع، والفوانيس، والقناديل، والسّراج، والمسرجة، وفي هذا الكتاب أشعار تطول انتخبها المؤلّف بعناية تدلّ على ذائقة أدبيَّة لتلك الموصوفات، ويحمد له القسمة التي ارتضاها لنفسه في تبويب الموضوعات تسهيلًا على القارئ.

أمَّا النُّويري (ت733هـ)، فنجده يفرد بابًا طويلًا في الكلام على النَّار من لدن آدم عليه السَّلام، غير أنَّه ركّز على ذكر أسماء أربع عشرة نارًا من نيران العرب المشهورة، كنار المزدلفة، ونار الحُباحب، ونار القرى، ونار الحرب، وغيرها. ويسجَّل له تفرّده بالحديث عن النَّار في صورتها المجازيَّة، كنار البرق، ونار المعدة، ونار الحُمَّى، ونار الشَّوق، ووقف كذلك عند النيران التي يضرب بها المثل، وأورد نماذج شعريّة كثيرة في نعتها، وختم الباب بذكر أشعار كثيرة قيلت في وصف نار الشَّمعة، والقنديل، والشّمعدان، والسّراج. يضاف إلى ذلك إيراده قطعًا نثرية في المفاخرة بين القنديل والشّمعدان.

وإذا ما نظرنا إلى الغزولي (ت815هـ) فإنَّنا نجده يفعل شيئًا مغايرًا في مصنّفه "مطالع البدور"؛ إذ خصَّ الباب السابع والعشرين للحديث عن النَّار، والطبّاخ، والقدور.

المبحث الأوّل: النَّار في صورتها المادّيَّة

1. نار الفحم والرَّماد:

من جميل الشّعر الّذي قيل في وصف النَّار ما جاء ارتجالًا على لسان ابن سارة وأبي بكر بن العربيّ؛ وذلك حينما دخل الأوَّل على الثَّاني وكان جالسًا يتدفَّأُ، فأبصر نارًا يعلوها رماد تستَّرت به، واقترح عليه أن يقول شيئًا فيما أبصرت عيناه، فارتجل (المقري 1980: 3, 88): [الكامل]

شَابَتْ نَوَاصِي النَّارِ بَعْدَ سَوَادِهَا وَتَدَثَّرَتْ عَنَّا بِثَوْبِ رَمَادِ
Table 1.

فما كان منه إلّا أن يطلب من ابن سارة إجازة بيته السَّابق، فصنع في الحال: [الكامل]

شَابَتْ كَمَا شِبْنَا وَزَالَ شَبَابُنَا فَكَأَنَّمَا كُنَّا عَلَى مِيْعَادِ
Table 2.

يكشف البيتان عن توافق غريب في الألفاظ والمعاني والصُّور، وما من شكّ في أنّ البديهة حادَّة وحاضرة لدى الشّاعرين، ويظهر ذلك في التَّشبيه الّذي رسماه للنَّار في نهايتها بالشَّيب، فقد اتّفق فيها الشَّاعران في الغرض واللّفظ والمعنى والقافية. وتكشف هذه المجازاة عن توارد للفكرة حول المعنى المطروح. وما من شكّ في أنَّ الصُّورة للشَّيء الموصوف تكشف عن الحال ذاتها لدى الشَّاعرين في المقاربة والتَّصوير، وقد ولَّد الرَّماد الَّذي علا النَّار تلك المشابهة، فكلاهما متقدّم في السّنّ، وقد طار غراب رأسيهما، وهنا تتجلَّى روعة الوصف بعد أن خفتت النَّار وقلَّ وهجها.

وقد ساعد عنصر اللّون الشَّاعرين في تكوين المقاربة الصُّوريَّة عبر المزاوجة بين السَّواد والبياض، وجاء ذلك موافقًا للشَّيب والشَّباب، وقد اتّكأ كلاهما على توظيف الاستعارة عبر المقابلة بين صورة النَّار في سوادها وبياضها بعد أن أصبحت رمادًا مَشُوْبًا ببياض، تمامًا كما هو الحال بين سواد الشَّعر حينما يغزوه الشَّيب.

وتتكرَّر الصُّورة نفسها عند عبادة بن القزاز حين قال: (ابن بسام 2000: 616,1) [الخفيف]

انْظُرِ الفَحْمَ قَدْ عَلاهُ بَيَاضٌ وكسا لَوْنَ وَجْهِهِ تَتْرِيْبَا
لَوْنَ شَعْرِ الشَّبابِ كانَ ولكنْ حُرَقُ النَّارِ أَوْرَثَتْهُ المَشِيْبَا
Table 3.

لوَّن الشَّاعر هذه النُّتفة بالبياض والسَّواد والحمُرة، غير أنَّ التَّركيز كان على الأبيض والأسود، وكأنَّه يظهر تحسُّرًا على شبابه بعد أن وَخَطَه الشَّيب، وتقدَّم في العمر، وانقلب السَّواد إلى بياض، وهكذا تكون حال الفحم أوَّل أصله قبل أن تضطرم به النَّار، وعندما يخبو نورها تورثه بياضًا يعلوه، وهذا من جميل التشبيهات التي عُقدت للشُّعراء الّذين تناقلوا رسم صور الموجودات في إطار تقليدي مع اختلاف يسير في الألفاظ.

وقد وقع نظر أبي الرَّبيع سليمان بن أحمد الدَّاني (ت361هـ) على فحمٍ محترق بالنَّار، فأبدع في الوصف إذ يقول: (ابن الأبّار 1986: 188) [الكامل]

وَلَقَدْ نَعمْتُ بِنَارِ فَحْمٍ أَصْبَحَتْ تَخْتَالُ بَيْنَ مُعَصْفَرٍ وَمُوَرَّدِ
إلّا بَقَايَا كالدُّجَى مُسْوَدَّةً أوْ مِثْلِ أصْدَاغِ الجَوَارِي الخُرَّدِ
فَكَأَنَّمَا يَبْدُو لِعَيْنِي مِنْهُمَا حِبْرٌ أُرِيْقَ عَلَى سَبَائِكِ عَسْجَدِ
Table 4.

تتجلَّى براعة التَّصوير في هذه اللَّوحة من خلال الصُّورة المركَّبة الَّتي حشد فيها تشبيهات عديدة للنَّار في جميع أحوالها منذ ابتدائها وحتَّى انتهائها، وقد اعتمد على الصُّورة اللَّونيَّة في إبراز درجة قوّتها وتوّهجها، فتارة مصفرَّة ومحمرَّة، وأخرى مسودَّة. ولا ريب في أنَّ الشَّاعر أجاد الوصف والتّشبيه للنَّار والفحم معًا، فهي في الاحمرار تشبه توريد خدود الجواري حياءً، ونجده يُشبّهها في البيت الثَّالث بالذّهب الأصفر البرَّاق. أمَّا الفحم فبدا له ليلًا مُسودًّا قبل اشتعاله، وتراءى له مدادًا أسود حينما عاد إلى أصله بعد أن صار فحمًا من جديد.

وممَّا يلفت الأنظار حالة الشّاعر النّفسيّة عندما أبصر النَّار، فبدت كفتاةٍ تمشي بزهو وبأو وهي ترتدي ثيابها ذات الألوان الزَّاهية، وتمازج الألوان هذا هو ما أضفى على الصُّورة رونقًا وجمالًا، إذ أحسن تركيب الصُّورة الَّتي جمع فيها مزيجا من الصُّور الحركيَّة والبصريَّة واللَّونيَّة.

وتختلف ملامح صورة نار الفحم عند أبي عبد الله محمّد بن أبي الخصال (ت540هـ) عن سابقتها، تأمَّل معي قوله (ابن بسام 2000: 598,3): [المنسرح]

أما ترى النَّارَ وَهْيَ راقصةٌ تنفض أردانها مِنَ الطَّرَبِ
تَضْحَكُ من آبنوسها عجبا إذ حوَّلتْ عَيْنَهُ إلى الذَّهَبِ
Table 5.

فمع أنَّ الموصوف واحد إلّا أنَّ خيال الشَّاعرين مختلف، وهذا الاختلاف حتمًا سيولّد صورًا جديدة غير تقليديَّة، وهنا يكمن الإبداع، وفي رأي الباحث فإنَّ هذه الصُّورة أجمل من سابقتها، وسرّ الجمال يكمن في التَّشبيه القائم على الصُّورة الحركيَّة، فعندما تحرّك الرّيح النَّار تبدو وكأنَّها ترقص، وهذه الحركة الجميلة لمعت في مخيّلة الشَّاعر فأعمل عقله في توليد صورة لها، فشخَّصها بفتاة تتفنَّن في إبراز مفاتنها عبر حركات تؤدّيها بمهارة كلَّما هزَّت أكمامها وحرَّكت يديها، بعد أن وصلت إلى قمَّة النّشوة فرحًا وطربًا، وهذا من الاستعارات الجميلة.

وجاء بالبيت الثّاني ليزيد التشبيه جمالًا من خلال الصُّورة اللَّونيَّة لفحم شجر الآبنوس المعروف بدكنته، وهذا ما جعله ينجح في قلب الصُّورة؛ إذ إنَّ في السَّواد شؤمًا وعبوسًا، وبدّل ذلك ضحكًا، فتراءت له النَّار عند اشتعالها إنسانًا ضاحكًا، وحقيقة الأمر أنَّ فحم الآبنوس هو الّذي يضحك مستغربًا من حاله بعد أن اشتعلت فيه النَّار.

وللفقيه ابن لُبَّال الشَّريشيّ (ت 583هـ) صورة وصفيَّة دقيقة لفحم نار كانونٍ اشتدَّ لهيبها، فقال (ابن شريفة 1996: 82): [مخلع البسيط]

فَحْمٌ ذَكَا فِي حَشَاهُ نَارُ فَقُلْتُ: مِسْكٌ وَجُلَّنَارُ
أوْ خَدُّ مَنْ قَدْ هَوِيْتُ لمَّا أَطَلَّ مِنْ فَوْقِهِ العِذَارُ
Table 6.

رسم الشَّاعر صورة جميلة للفحم، وجمع فيها بين أربع صور متقابلة: شبّه في الأولى الفحم بالمسك في سواده قبل اشتعاله، وشبَّهه كذلك بشعر العذار الأسود فوق خدّ أحمر، وفي الثانية شبَّه الجمر المتوقدّ بزهر الرُّمَّان، وفي الوقت نفسه شبَّهه بالخد المورّد، وقد أجاد في المناسبة بين الألفاظ والتّشبيهات المُتَّصلة بنعوت النَّار، فقد ناسب بين "الفحم"، و"الجمر"، و"الذّكا"، "والمسك"، و"الجلّنار"، و"حمرة الخدّ"، وكلّ هذه الألفاظ في صورتها المجازية تتعلَّق بالنَّار.

ومن بديع الصّفات للفحم، تلك المقطوعة الَّتي نظمها القاضي عبد الحق بن عطية (ت541هـ)، فقال (ابن خاقان 2010: 669): [الكامل]

جَعَلُوْا القِرَى لِلْقَرّ فَحْمًا كَالِحًا قَدَحَ الزّنادُ بِهِ فَأُوْرِيَ نَارَا
فَبَدَا دَبِيْبُ السّقْطِ فِي جَنَبَاتِهِ كالْبَرْقِ فِي جُنْحِ الظَّلامِ أَنَارَا
ثُمَّ انْبَرَى لَهَبًا، وَثَارَ كَأَنَّهُ في الحَرْقِ ذو حُرَقٍ يُطَالِبُ ثَارَا
فَكَأَنَّهُ لَيْلٌ تَفَجَّرَ فَجْرُهُ نَهَرًا فَكَانَ على المُقَامِ نَهَارَا
Table 7.

المتأمّل لهذه الأبيات يجد أنَّ الشَّاعر يسجّل لنا فيها حدثًا عاينه منذ بدايته وحتَّى نهايته، وبكلماته راح يحدّد معالم الصُّورة للموقف المشاهد مُعْمِلًا خياله الخصب. ويظهر من البيت الأوّل أنَّه أحسّ ببرد شديد، فكان في أشدّ الحاجة إلى النَّار، وهذا ما جعله يدقّق النَّظر، ويقرّب عدسة (الكاميرا)؛ لينقل لنا المشهد في أدقّ تفاصيله.

ومستهلّ اللَّوحة يكشف عن قدرة الشَّاعر على التَّشبيه، فجمع بين أربعة تشبيهات: حوَّل في الأوَّل نار الكرم الَّتي أكثر العرب من التَّفاخر بها، غير أنَّه قدَّمها طعامًا للبرد، فلمَّا قدح الفحم بالزّند اشتعلت النَّار وارتفع لواؤها، وأخذت أعواد الفحم تتهاوى ساقطة من أطرافها. ومضى في توصيف الحال ثانيًا مصوّرًا النّار المنيرة بالبرق، وفي تلك اللّحظات تخيّل مرَّة أخرى بأنّ الفحم إنسان، فشبَّه ناره بشخص احترق دونما سبب، ومن شدّة غضبه وتألّمه نهض طالبًا ثأره. وفي البيت الأخير نلقاه يشبّه نار الفحم باللَّيل الّذي تفجّر ماؤه، وسال جاريًا مؤذنًا بانبلاج النَّهار.

وكذلك أبدع الشّاعر في تقليب الألفاظ؛ فجمع بين أربعة جناسات مختلفة: جاء الأوَّل مبدّل الآخر بين "القرى"، و "القرّ"، وكان الثَّاني من النَّاقص المحرَّف في "الحَرْق" و "الحُرَق" وفي الثَّالث جناس الاشتقاق بين "تفجَّر"، و "فجره". أمَّا الأخير فمن الجناس الزَّائد بحرف، وذلك في عجز البيت الرّابع، فلفظة "نهرًا" تقابل "نهارا".

ومن التَّشبيهات الجميلة في هذا الاتّجاه ما قاله ابن الحدّاد الأندلسي في فتاته المنعوتة "نويرة" (ابن الحداد 1990: 190): [الكامل]

وَارَتْ جُفُوْنِي مِنْ نُوَيْرَةَ كَاسْمِهَا نَارًا تُضِلُّ، وَكُلُّ نَارٍ تُرشِدُ
والمَاءُ أنْتِ ومَا يَصِحُّ لِقَابِضٍ والنَّارُ أنْتِ وفي الحَشَا تَتَوَقَّدُ
Table 8.

برع الشَّاعر في توظيف اسم محبوبته "نويرة" الدَّال على النَّار، والّذي جاء مُصغّرًا على سبيل التَّحبب؛ ليكشف فيه عن مشاعره وأحاسيسه جرَّاء الفقد والحرمان اللذين يعانيهما، فهو يتألَّم كثيرًا ويقاسي عذابات البُعد، وهذا ما يذكي نار الشَّوق في قلبه، وممَّا عمّق الأسى لديه تلك الحقيقة المتّصلة بنعت النَّار بوصفها هاديًا ومرشدًا لكلّ ضالّ أو تائه، غير أنَّ نار نويرة ليست كذلك، فهي تضّله دون أن تهديه.

ويتعمّق الحزن لديه في البيت الثَّاني عندما يصوّرها بالماء الذي يروي عطشه كلَّما التقى بها، غير أنَّه لا يحصل عليه رغم أنَّه طوع يديه. وقد أجاد الشَّاعر توظيف المثل المشهور "كالقابض على الماء" في وصف حاله؛ إذ لم ينل منه شيئًا بعد أن يفقده، ويصوّرها في الوقت ذاته بالنَّار المتوقّدة بين ضلوعه، ولا سبيل لإخماد تلك النيران المتأجّجة إلا بالوصل واللُّقيا.

وتتجلَّى براعة أبي إسحق إبراهيم بن أصبغ (ت627هـ) في مناجاة مَنْ أحبَّ مازجًا بين النَّار في صورتيها الحقيقيَّة والمجازيَّة، فيقول (ابن الأبار 1986: 189-190): [البسيط]

وَزَائِرٍ زَارَنِي وَهْنًا فَقُلْتُ لَهُ: أنَّى اهْتَدَيْتَ وسَجْفُ اللَّيْلِ مَسْدُوْلُ؟
فَقَالَ: آنَسْتُ نَارًا مِنْ جَوَانِحِكُم أَضَاءَ مِنْهَا لدى السَّارِيْنَ قِنْدِيْلُ
فَقُلْتُ: نارُ الهَوَى مَعْنًى وليْسَ لَهَا نُورٌ يُبِيْنُ فَمَا ذا مِنْكَ مَقْبُوْلُ
فَقَالَ: نِسْبَتُنَا مِنْ ذَاكَ واحِدَةٌ أنا الخَيَالُ ونارُ الحُبّ تَخْيِيْلُ
Table 9.

فما أجمل خيال الشَّاعر حينما قرن النَّار بالنُّور! فنورها منبعث من أضلاعه، ويأتي هذا كاشفًا عمَّا في صدره من لواعج الحُبّ. وقد أجاد رسم لوحة جميلة عبر أسلوب الحوار الَّذي أبان فيه عن أنَّ طيف حبيبه قد زاره ليلًا، فتساءل مستغربًا عن كيفيّة اهتدائه إليه بعد أن أظلم اللَّيل وأرخى سدوله، فأجاب بأنَّ النُّور المنبعث من ضلوعه هو الهادي والمرشد، فكان أشبه ما يكون بنور القنديل الّذي يرشد السائرين ليلًا، كذلك تجدر الإشارة إلى براعة الشَّاعر في توظيف الآية القرآنية الَّتي وردت على لسان موسى -عليه السَّلام- حينما أضلَّ الطّريق، ولاحت له النَّار، فقال: ﴿إنّي آنست نارًا لعلّي آتيكم منها بقبس﴾ (القرآن: طه، الآية 10) .

غير أنَّ الشَّاعر أنكر واقع الحال، مشيرًا إلى أنّ نار الحُبّ هي الَّتي أرشدته دون أن يكون لها نور ظاهر، وهذا العُذْر في منظوره غير مقبول؛ لأنَّ طيف الخيال قد تأخَّر، فردَّ عليه ردًّا جميلًا في البيت الأخير موضّحا أنَّ من زار هو طيف الخيال، وكذلك نار الحب ضرب من التَّخيّل، والنسبة بينهما واحدة، وهذا من جميل حُسْن التَّعليل.

2. نار الكانون

ومن بديع قول ابن سارة في نار الكانون (الكريم د.ت: 60): [السريع]

قَدْ شَابَتِ النَّارُ بِكَانُوْنِنَا لمَّا تَنَاهَى عُمْرُهَا واكْتَهَلْ
كَأَنَّهَا لمَّا خَبَا جَمْرُهَا مُطَيَّبُ الوَرْدِ إذا ذَبُلْ
Table 10.

أبدع الشَّاعر في تشبيهه للنَّار الَّتي استوحى صورتها من الشَّيب بعد أن خمدت، وتكشف المقاربة في اللَّونين الأبيض والأحمر، فالبياض قائم بين الرَّماد والشَّيب باعتباره علامة على الاكتهال والتّقدّم بالعمر، وبوصفه نذيرًا للتَّلاشي والفناء، والحمرة نجدها في صورة جمرها عندما تخبو ويذهب جمرها، وتظلُّ على حالة من السُّكون التَّام، فتكون هيئتها عند تحريك الرَّماد كالورد الأحمر عند ذبوله.

ولنار الكانون عند ابن سارة صورة أخرى غاية في الرَّوعة، يقول (الكريم د.ت: 57): [الخفيف]

لابْنَةِ الزَّنْدِ في الكَوَانِيْنِ جَمْرٌ كالدَّرَارِيّ فِي دُجَى الظَّلْمَاءِ
خَبّروُنِي عَنْهَا ولا تَكْتُمُوْنِي أَلَدَيْهَا صِنَاعَةُ الكِيْميَاءِ؟
سَبَكَتْ فَحْمَهَا صَفَائِحَ تِبْرٍ رَصَّعَتْهَا بالفِضَّةِ البَيْضَاءِ
كُلَّمَا رَفْرَفَ النَّسِيْمُ عَلَيْهَا رَقَصَتْ فِي غِلالَةٍ حَمْرَاءِ
لَوْ تَرَانَا مِنْ حَوْلِهَا قُلْتَ: شَرْبٌ يَتَعَاطَوْنَ أَكْؤُسَ الصَّهْبَاءِ
Table 11.

فالشَّاعر هنا ينقل لنا مشهدًا حيًّا لذلك الكانون الّذي أحاط به وصحبه في حلقة يستدفئون بناره، وراح يحشد لنا في هذه اللَّوحة عددًا من الصُّور الحسّيَّة الّتي جمعت بين اللَّون والحركة، راصدًا لنا تشبيهات جميلة تنمّ عن ذهن وقَّاد وخيال خصب؛ فالجمر يشبه الكواكب المنيرة الَّتي تبدّد عتمة الظَّلام، وفي غمرة التّعجب من هذه الحال يسأل ندماءه أن يصدقوه القول في فعلها الّذي يشبه ما تصنعه الكيمياء.

غير أنَّ أحدًا لم يردّ عليه، وحاروا جوابًا، ومضى في إظهار تعجبّه ودهشته من صنعتها في تحويل الفحم الأسود إلى سبائك من التّبر، وترصيعها له بالفضَّة، وهذا الوصف غاية في الرَّوعة عبر المزج بين الحمرة والبياض الذي يعلو ذلك الفحم فكان كالفضَّة، وفي هذا دقَّة وإحكام لعملها. ولم يكتف عند هذا الحدّ، بل التفت إليها كلَّما هبَّ النسيم عليها وحرّكها، فبثّ فيها الحياة وشخّصها فتاة ترقص وهي ترفل بثوبها الأحمر، وأنهى المشهد بدعوة المتلقّي إلى تصوّره هو وصحبه من النُّدماء الذين تحلّقوا حول النَّار، وأخذوا يشربون ما لذَّ من الخمر، حيث يحلو الأنس والسَّمَر.

وله صورة أخرى بديعة في وصف نار الكانون (الكريم د.ت: 30): [البسيط]

بَاتَتْ لنا النَّارُ دِرْيَاقًا وَقَدْ جَعَلَتْذض عَقَارِبُ البَرْدِ تَحْتَ اللَّيْلِ تَلْسَعُنَا
زَهْرَاءُ قَدَّتْ لنا مِنْ دِفْئِهَا لُحُفًا لَمْ يَعْلَمِ البَرْدُ فِيْهَا أيْنَ مَوْضِعُنَا
لها حَرِيْقٌ بِكَانُوْنٍ نُطِيْفُ بِهِ كَمِثْلِ جَامِ رَحِيْقٍ فِيْهِ مَكْرَعُنَا
تُبِيْحُنَا قُرْبَهَا حِيْنًا وتُبْعِدُنَا كالأُمّ تَفْطِمُنَا حِيْنًا وتُرْضِعُنَا
Table 12.

ما من شكّ في أنَّ ابن سارة وصَّاف من الطّراز الأوّل، وتشبيهاته واستعاراته غريبة مبتكرة، وهو عميق الإحساس فيما يقدّم لنا من صور ناطقة مفعمة بالحيويَّة والجمال، ففي كلّ لوحة يحرص على ألّا يكرّر نفسه في الصُّور للموصوف ذاته. واللّوحة الَّتي بين أيدينا تؤكّد صدق ما يذهب إليه الباحث، فصورة النَّار هذه المرّة فيها جِدَة، والسّرّ في ذلك يعود إلى المزج بين التَّشبيهات والاستعارات التي حشدها، فالنَّار في فعلها عنده كالخمر الّتي تمنح شاربها دفئًا خاصًّا، ولسعة البرد عنده كلسعة العقرب، ولمَّا جلس بقربها هو وصحبه أحسّوا براحة نفسيَّة، وشخّصها إنسانًا يشقّ لهم أغطية يتدثّرون بها من شدَّة البرد، وصوّر البرد إنسانًا يبحث عنهم بعد أن تخلّصوا من القرّ، ولم يهتد إلى مكانهم بعد أن استوطن أجسادهم.

ومن المحتمل أنَّه عنى بالدّرياق العلاج النَّاجع للسُّمّ النَّاجم عن لسع عقارب البرد في صورتها المجازية، فمن الممكن حمل المعنى على هذا التَّوجيه كونه ذكر العقارب.

ويظهر البيتان الأخيران بأنَّ ناره كانت قويَّة متوهّجة لافحة، وأجاد التشبيه في إظهار حالة قربهم أو بعدهم عنَّها كلّما شعروا بذلك، ففي الثَّالث يشبه الكانون الذي أحاطوا به بإناء الخمر الّذي أمسكوا به وقرّبوه إلى أفواههم لينهلوا منه، وهذا يشي بأنَّهم كانوا في تلك اللّحظات بأمس الحاجة إلى الالتصاق بالكانون.

أمَّا البيت الأخير ففيه تشبيه في منتهى الجمال، وقد ساعد الطّباق على ذلك في إظهار حالة القرب والبعد، تمامًا كالأم التي تتعهّد أولادها بالعناية، فتارة تقترب منهم مرضعة، وأخرى تنصرف عنهم مبتعدة.

3 . و صف النَّار بصفات المرأة

وقد عارض ابن سارة امرأ القيس في قصيدة تائيَّة، وأزرى به في وقوفه على الأطلال باكيًا، ودعا إلى الوقوف على النَّار وتأمّلها في أسلوب تصويريّ جميل، وهذا يذكّرنا بالشّيء ذاته الذي عابه أبو نواس عليه، حينما تمرّد على المقدّمات وعدم الوقوف على الأطلال الدَّارسة، ودعا إلى استبدالها بالمقدّمات الخمريَّة التي كان مولعًا بها.

ومطلع قصيدة امرئ القيس، هو (امرؤ القيس 1990: 78): [الطَّويل]

غَشيتُ ديار الحَيّ بالبَكَراتِ فَعَارمةٍ فَبُرْقَةِ العِيَرَاتِ
Table 13.

أمَّا ما قاله ابن سارة في وصف النَّار، فهو (الكريم د.ت: 58): [الطَّويل]

دَعُوْا لامْرِئ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ طُلُوْلَهُ يَظَلُّ عَلَيْهَا سَافِحَ العَبَرَاتِ
وَعُوْجُوْا على يَاقُوْتَةٍ ذَهَبِيَّةٍ يَهِيْمُ بها المَقُرُوْرُ في السَّبَرَاتِ
إذا ما ارْتَمَتْ مِنْ فَحْمِهَا بِشَرَارِهَا رَأَيْتَ نُجُوْمَ اللَّيْلِ مُنْكَدِرَاتِ
حَكَى لِي مِنْهَا الجَمْرُ تَحْتَ رَمَادِهَا دُمًى بِدَقِيْقِ الرَّيْطِ مُعْتَجِرَاتِ
وَقَدْ عَصْفَرَ التَّخْمِيْشُ بِيْضَ خُدُوْدِهَا فَأَنْبَتَ مِنْهَا يَانِعَ الثَّمَرَاتِ
عَلَيْهَا فَذُبْ إنْ لمْ تَجِدْهَا كَآبَةً وَدَعْ للسَّوَاقِي بُرْقَةَ العِيَرَاتِ
وَقُلْ حِيْنَ تَمْشِي في النَّديّ، وطِيْبُهَا يَنِمُّ على أذْيَالِهَا العَطِرَاتِ
(تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ دَارِيْنَ إنْ مَشَتْ بِهِ زَيْنَبُ في نِسْوَةٍ خَفِرَاتٍ)
Table 14.

ففي مستهلّ القصيدة دعوة صريحة إلى ترك الوقوف على الطَّلل، وفيه -أيضًا- سخرية واضحة ممّن يقف ساكبًا دموعه على مَنْ رَحَل، وفي هذا نجده يستبدل الأطلال بمعشوقته النَّار، الَّتي يهيم بها كلّ مقرور من البرد، وبخاصَّة عندما قدح شررها المتناثر إيذانا باشتعالها، تخيّل بأنّ نجومًا من اللَّيل قد هوت وسقطت.

ويمضي في تشكيل ملامح الصُّورة مصوّرا النَّار بصفات المرأة المحبوبة، فأبصر الجمر دُمى على هيئة نساء يرتدين ملاءات رقيقة حمراء، وقد لففن رؤوسهن بلفائف بيض، وبدين متألّمًات عندما وقف عند خدودهنّ، وقد أثَّرت فيها النَّار عندما اقتربن منها؛ خوفًا من أن تتأذّى بشرتهنّ البيضاء، وكأنّ شخصًا قد قرص خدودهنّ فاحمرَّت، وصوّر نار الخدود كذلك بثمر يانع.

ومن منظور الشّاعر على مثل هذا يذوب القلب، لا على مواضع الرّمل والحجارة والآرام والظّباء، وهنا يبدع في استحضار البيت الأخير للرَّاعي النُّميري في تبيان مشي النّساء وهن يرفلن بأثوابهن، وقد جررن ذيولهنّ على الأرض، وتضوّعت منهن روائح عطريَّة زكيَّة.

ولا يخفى تأثّر الشَّاعر في هذه القصيدة بالشّعر القديم في الألفاظ والمعاني والصُّور، وما يميّزه أنَّه أجاد في نقلها إلى موصوف آخر، مع أنَّهم يشتركون جميعًا في غرض الوصف، يُحمَدُ للشَّاعر براعته في نعت النَّار بصفات المرأة.

ولمَّا أورد الصَّفدي في كتابه "الوافي بالوفيات" بيتي ابن لُبَّال اللّذين أوردهما الباحث آنفًا، نجد لابن الأبَّار رأيًا آخر، يقول الصَّفدي على لسانه منتقدًا: "قصَّر عن قول أبي محمَّد بن سارة في هذا المعنى"، وأورد له (الصفدي 2009: 325,20): [الطويل]

وَسَافِرَةٍ تَنْضُو الدُّجَى مِنْ قَمِيْصِهِ وَقَدْ ضَرَبَتْ مِنْ فَجْرِهَا بِعَمُوْدِ
إذا ما بَدَتْ كِدْنَا لإفْرَاطِ عُجْبِنَا بها نَتَلَقَّى وَجْهَهَا بِسُجُوْدِ
دَفَعْنَا بها في صَدْرِ نَكْبَاء صَرْصَرٍ وقَدْ آذَنَتْ أرْوَاحُنَا بِخُمُوْدِ
يُقَابِلُنَا مِنْ فَحْمِهَا تَحْتَ جَمْرِهَا خُدُوْدُ عَذَارَى في بَرَاقِع سُوْدِ
Table 15.

فالنَّار مضيئة مشرقة تشبه فتاة وضيئة الوجه في منتهى الجمال، وهذا الجمال أثار إعجاب الشاعر وصحبه، فبدوا وكأنّهم يسجدون لها بعد أن أشرفوا على الهلاك بفعل كَلَب ذلك البرد، وأظهر في البيت الأخير ملامح الفتيات الحسان، وبخاصَّة خدودهن الحمراء، فكانت أشبه بلون الجمر في حلكة الظَّلام.

ويأتي دفاع الصَّفديّ في معرض ردّه على الحكم النَّقدي الصَّادر عن ابن الأبَّار في حقّ الشَّاعر مُتّهمًا إيَّاه بالقصور في البيت الأخير من هذه المقطوعة، وقد انتصر الصَّفدي لابن لُبَّال ونفى صفة التَّقصير عنه بقوله: "ما قصَّر، والّذي قصَّر ابن سارة؟ فإنَّ العذار فوق الخدّ الأحمر، أقرب للتَّشبيه من خُدود العذارى تحت البراقع؛ لأنَّ البراقع ساترة الخدود، والخدّ والعذار يبدوان معًا" (الصفدي 2009: 325,20).

ولابن شريفة رأي يخالف ما ذهب إليه الصَّفدي، وهذا الرَّأي فيه انحياز لابن سارة، يقول: "ونظنُّ أنَّه ليس ثمَّة تقصير أصلًا، فلكلّ من الشَّاعرين اجتهاده في صورته الشّعريَّة، وإذا تركنا أمر التَّشبيه جانبًا، فإنَّ ابن سارة –والحقّ يقال- أشعر في القطعة المذكورة وغيرها من ابن لُبَّال" (ابن شريفة 1996: 36).

ويرى الباحث أنَّ الصَّفدي مصيبٌ حقًّا فيما ذهب إليه، إذ إنَّ القضيَّة الأساسيَّة في أصلها قائمة على المقاربة في التَّشبيه الذي قام عليه الاعتراض، وبالفعل أخطأ ابن سارة التشبيه، والقارئ لمصنَّف الصَّفدي "الكشف والتنبيه على الوصف والتَّشبيه" يجد فيه وجهات نظر نقديَّة تشدَّد فيها على موضوع المشابهة، وله لفتات جميلة في كتابه هذا وغيره من مصنَّفاته الضَّخمة الَّتي بثَّ فيها آراءه وتعليقاته بوصفه ناقدًا متمرّسًا.

وقريب من هذا نتفة لسليمان بن أحمد الدَّاني (ت631هـ) أجاد فيها التشبيه حين وصف نارًا ورمادها في غداة ثلج (ابن خميس 1999: 349) [الطَّويل]

وَغدْوَةِ ثَلْجٍ كاللُّجَيْنِ بَيَاضُهَا طَرَدْتُ الأَذَى مِنْهَا بِنَارٍ كَعَسْجَدِ
يُرِيْكَ رَقِيْقٌ فَوْقَهَا مِنْ رَمَادِهَا شُفُوْفَ قِنَاعٍ فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ
Table 16.

لا يختلف التَّشبيه –هنا- كثيرًا عن المقطوعة التي أوردناها له في ثنايا البحث، فالنَّار تشبه العسجد تارة، وتارة أخرى تشبه المداد عندما تضعف وكأنَّها تعود إلى أصلها فحمًا من جديد.

والنَّار لدى الدَّاني ذات لهب، وهي أشدُّ حمرة، كان قد أوقدها كي يطرد البرد في غدوة يومٍ ذي قرّ شديد بعد أن تغطَّت الأرض بالثَّلج. والبيت الثَّاني يستدعي الوقوف عنده للمقاربة بينه وبين ما قاله ابن سارة.

ويرى الباحث أنَّ هذا التَّشبيه أجمل، والصُّورة غاية في الرّوعة ليست كالَّتي جاءت في مقطوعة ابن سارة، بدليل قوله "شفوف قناع تحت خدّ مورَّد"، فقد عقد له تشبيه جيّد، فالنَّار لديه امرأة حسناء ذات خدّ ورديّ، والرّماد الذي يعلوها يقابل صورة قناعٍ شفَّاف أسدلته على وجهها، ومع ذلك فملامح وجهها بادية من تحته، وهذه الصُّورة لم تعقد لوصَّاف النَّار الأول في الأندلس –أعني ابن سارة- وذلك لأنَّه نعتها بقوله: "خدود عذارى في براقع سود"، فكيف يمكن للرّائي معاينتها من تحت البراقع الَّتي سترتها؟!

وما زالت صورة المرأة تلحّ على مخيّلة ابن سارة كلّما أبصر النَّار وتأمّلها، فراح يصفها أبدع وصف، يقول (ابن خاقان 2010: 828. الأصفهاني 1971: 319،2): [الكامل]

جَاءَتْكَ فِي تَنُّوْرِها المَسْجُوْرِ زَهْرَاءَ فِي حُلَلٍ مِنَ الدَّيْجُوْرِ
لمَّا تَهَلَّلَ في الظَّلامِ جَبِيْنُهَا لَبِسَ الظَّلامُ بِهَا غِلالَةَ نُوْرِ
يا حُسْنَهَا وَقَدِ ارْتَمَتْ جَنَبَاتُهَا شَرَرًا، كَمِثْلِ العَسْجَدِ المَنْثُوْرِ
والجَمْرُ فِي خَلَلِ الرَّمَادِ كَأَنَّهُ وَرْدٌ عَلَيْهِ ذُرَيْرَةُ الكَافُوْرِ
فِي لَيْلَةٍ خِلْنَا دُجَاهَا إِثْمِدًا وَنُجُوْمَهَا مَرْضَى عُيُوْنِ الحُوْرِ
Table 17.

تراءت النَّار الّتي رآها الشَّاعر متّقدة في فرن امتلأ حطبًا، فشخّصها فتاة مشرقة الوجه، ترتدي ثوبًا أسود كاللَّيل الذي أشعلت فيه، وقد ساعد التَّضادّ في إظهار إشراقة الوجه الّذي ارتسمت عليه علائم البشر والفرح، وهذا الحال انعكس على الظَّلام فارتدى ثوبًا ورديًّا بفضل تلك النَّار.

ومضى الشَّاعر متعجّبًا من جمال الشَّرر المتناثر في أطرفها، فشبّهه بالجواهر المنثورة، ولم ينس الالتفات إلى الجمر فهو عنده ورد أحمر، وطبقة الرّماد الشّفَّافة التي علت ذلك الجمر، فكانت ككافور أبيض رُشَّ فوق ذلك الورد، فأخذ عبق رائحتها الطّيّبة يملأ المكان.

ويستمرّ في المشابهة بين الأشياء حتَّى نهاية المشهد عبر الصُّور المتزاحمة في هذه المقطوعة، فيصوّر تلك اللّيلة الكحلاء بالإثمد الذّي تكتحل به العيون، ويصوّر النُّجوم في شدّة بياضها كعيون حوراء، وقد ساعد الطّباق على إظهار جماليَّة الصُّورة.

ولا بأس أن نشير إلى حرص الشَّاعر في كلّ لوحة على تشكيل صورة حيَّة لما يصف، بحيث تكون واضحة دون غموض أو تعقيد، ولا شكّ في أنَّ الألوان تساعد كثيرًا في تخيّل الموصوف، فالسّواد والحمرة والبياض دائمة الحضور في لوحاته جميعها، وأيضًا يحرص على بثّ الحركة في تشبيهاته عبر الأفعال والرّقص، إضافة إلى الصورة الشَّميَّة التي تنبعث من دخان النَّار؛ فالكافور حاضر، والنّباتات ذوات الرّوائح العطريَّة حاضرة كذلك.

4 . النَّار في حركتها وسكونها

عند الحديث عن النَّار نجد أنَّ الشُّعراء لم يتركوا فيها شيئًا إلّا وصفوه بأجمل الصّفات، وبخاصَّة الجمر وألوانه، والرَّماد، والدُّخان وألوانه، والشَّرر، والزّناد، وكذلك الأمر تخيَّلوا حركاتها في علوّها وارتفاعها كلَّما هبّت عليها الرّيح، أو مرَّ عليها النَّسيم، وراحوا يقدّمون لنا أجمل الأوصاف، ويسبغون عليها مشاعرهم وأحاسيسهم عندما يبصرونها أو يتخيَّلونها.

ومن اللّافت للنَّظر أنَّ ابن خفاجة أكثر من وصف النَّار، ونظرًا لضيق المقام في هذه الجزئيَّة من البحث فقد آثر الباحث إيراد ثلاث لوحات في وصفها: الأولى، في نعت نار القرى التي كان يوقدها في وادٍ فسيح خيَّم فيه، وراح يصونها ويلقي فيها الأعواد، ويأبى لها إلّا علوًّا وارتفاعًا كي يهتدي بها المدلجون ليلًا، يقول (ابن خفاجة 1960: 74): [الكامل]

تَهْفُو بِهِ نَارُ القِرَى فَكَأَنَّها مَهْمَا عَشَا ضَيْفٌ إِلَيْهَا تَطْرَبِ
حَمْرَاءُ نَازَعَتِ الرّيَاحَ رِدَاءَهَا وَهْنًا وَزَاحَمَتِ السَّمَاءَ بِمَنْكِبِ
ضَرَبَتْ سَمَاءً مِنْ دُخَانٍ فَوْقَهَا لَمْ تَدْرِ فِيْهَا شُعْلَةً مِنْ كَوْكَبِ
وَتَنَفَّسَتْ عَنْ كُلّ لَفْحَةِ جَمْرَةٍ باتَتْ لَهَا رِيْحُ الشَّمَالِ بِمَرْقَبِ
قَدْ أُلْهِبَتْ فَتَذَهَّبَتْ فَكَأَنَّهَا لِسُكُوْنِ شَرّ شَرَارِهَا لَمْ تُلْهَبِ
تَذْكُو وَرَاءَ رَمَادِهَا فَكَأَنَّهَا شَقْرَاءُ تَمْرَحُ فِي عَجَاجٍ أَكْهَبِ
Table 18.

طغى التّشخيص على هذه القصيدة التي اجتزأنا منها هذه الأبيات في صفة النَّار، وجسّد فيها صفات إنسانيَّة، فهي تطرب لمن يؤمُّها، وعند منتصف اللَّيل أخذت تنازع الرّيح؛ كي تعلو، حتَّى بلغت أعالي السَّماء، وكأنَّها إنسان يزاحم السَّماء بمنكبيه، وهذا ما تبدو عليه الصُّورة من بعيد، فتكاد تلامسها، وطبّقت الأرجاء سحابة من الدّخان الكثيف الشّديد السّواد، فلم يعد يميز الشُّعلة من الكوكب، غير أنَّ معالم الصُّورة اتّضحت لاحقًا عندما شبّه الجمار الملتهبة كلّما حرّكتها بالذّهب، واستمرّ في رصد حركتها حينما تذكو وتشتعل ثانية من تحتها الرّماد، وقد علاها دخان مشوب بالسّواد.

أمَّا اللَّوحة الثَّانية، فكانت لفتية اجتمعوا حول موقد نار، فقال واصفًا لها (ابن خفاجة 1960: 133): [الطَّويل]

وَمَوْقِدِ نَارٍ طَابَ حَتَّى كَأَنَّمَا يَشُبُّ النَّدَى فِيْهِ لِسَارِي الدُّجَى نَدَّا
فَأَطْلَعَ مِنْ دَاجِي دُخَانٍ بَنَفْسَجًا جَنِيًّا وَمِنْ قَانِي شُوَاظٍ لَهُ وَرْدَا
وَضَاحَكَ غُرًّا مِنْ وُجُوْهٍ وضيَّةٍ فَلَمْ أَدْرِ أيٌّ كانَ أَذْكَاهُمَا وَقْدَا
إذا بَسَطَتْ كَفُّ الهَيَاجِ إلى العِدَا أَنَامِلَ سُمْرِ الخَطِّ كَانُوْا لَهَا زِنْدَا
أرَى خَيْرَ نَارٍ حَوْلَهَا خَيْرُ فِتْيَةٍ أَنَافَتْ لَهُم جِيْدًا وَحَفُّوا بِهَا عِقْدَا
إذا مَا الرّيْحُ مَاسَتْ مِنْ سَوَادِ دُخَانِهَا عِذَارًا وَمِنْ مُحْمَرّ جَاحِمِهَا خَدَّا
وَثَارَتْ قَتَامًا يَمْلأُ العَيْنَ أكْهَبًا وَجَالَتْ جَوَادًا في عِنَانِ الصَّبَا وَرْدَا
رَأَيْتَ جُفُوْنَ الرّيْحِ واللَّيْلُ إِثْمَدٌ تُقَلّبُ مِنْ جَمْرِ الجَذَى أعْيُنًا رُمْدَا
وبالجَمْرِ فِي أكْنَافِهَا مَسُّ رَعْدَةٍ كَأنَّ بِحَامِي الجَمْرِ مِنْ شِدَّةٍ بَرْدَا
Table 19.

لعلَّ هذه القصيدة من أروع ما قيل في وصف النَّار ومتعلّقاتها: الموقد، والدُّخان، والجمر، والرّفقاء الذين جلسوا حولها للسَّمر، وأسبغ عليها صفات إنسانيَّة، فجعل لها ثغرًا وعينًا وخدًّا، وأخرى حيوانيَّة فتصوّرها حصانًا سريعًا يسبح في فضاء فسيح، واستحضر الطّبيعة الحيَّة بأدقّ تفاصيلها، وبخاصَّة الرّيح، والبرد، والرّعد، واللَّيل.

والنَّار الموقدة -هنا- هي نار الكرم والجود، فتشعل للسَّارين وتدعوهم إلى المرور بصاحبها، وشبَّه طيب دخانها برائحة البنفسج، وعندما تلاشى الدُّخان شبَّه اللَّهب بالورد، وصوَّر الموقد إنسانًا يضاحك وجوها أشرقت وتهلّلت بشرًا، حيث طالب الأنس والسَّمر، وتخيّل الشَّاعر أنَّ الأمر التبس عليه، فلم يدر أيُّهما أكثر اتَّقادًا وجوههم أم الجمر.

وببراعة يحوّل المشهد؛ ليشير به إلى نار أخرى، وهي نار الحرب الّتي توقد بالزُّنود القويّة لأولئك الفرسان وما يحملون من عُدّة وسلاح، ويصوّرهم لحظة أحاطتهم بها في حلقة، وقد ارتفعت لهم، وأحاطوا بها إحاطة العِقْدِ للعنق.

ويقف عند حركة الرّيح الَّتي تبعث بالدُّخان الأسود، ويرسم لهما صورًا عديدة: فيتخيّل الدُّخان عذارًا أسود، والجمر خدًّا مورّدًا، وكأنَّها تلاعب الجمر بلطف؛ بغية تقبيل خدّه، وصوَّر الدُّخان ثانية حينما يثور منتشرًا كالغبار، ويصوّر الريّح حصانًا أطلق له العنان؛ ليسبح في الفضاء، وتارة نجده يصوّرها وهي تحرّك الجمر قبل أن يتحوّل إلى رماد، فيجسّد اللّيل إنسانًا ذا عينين رمداوين، فبدت صورة اللَّيل كالكُحل في الأجفان الموجوعة، وبدت قطع الجمر كعين حمراء تتقلَّب من شدّة ما تعاني من ألم، ولمَّا كادت الجمار في نواحي الموقد أن تخبو، أحسَّ بأنَّها تشعر بالبرد؛ وأشفق عليها؛ إذ كانت بحاجة إلى مزيد من النَّفخ؛ لتقوى وتشفى من الرَّمد قبل أن تقتلها الرّيح.

أمَّا اللَّوحة الأخيرة في وصفها، فهي قوله (ابن خفاجة 1960: 75): [الرّجز]

لاعَبَ تلك الرّيحَ ذاكَ اللَّهَبُ فعادَ عَيْنَ الجِدّ ذاكَ اللّعبُ
وباتَ في مَسْرَى الصَّبَا تَصْفَعُهُ فَهْوَ لها مُضْطَرِمٌ مُضْطَرِبُ
سامَرْتُهُ أحْسَبُهُ مُنْتَشِيًا يَهُزّ عِطْفَيْهِ هناك الطَّرَبُ
لو جَاءَهُ مُنْتَقِدٌ لَمَا دَرَى ألَهَبٌ مُتّقدٌ أم ذَهَبُ
تَلْثُمُ مِنْهُ الرّيْحُ خَدًّا خَجِلًا حيثُ الشّرَارُ أَعْيُنٌ تَرْتَقِبُ
Table 20.

هذه صورة ناطقة لمشهد يتكرّر لدى الشَّاعر، فتبدو النَّار لاهية راقصة، وتشترك الرّيح في حالة العبث هذه عندما تحرّك لهب النَّار، وحتَّى لا يختلط الجدّ بالهزل قلب الشَّاعر الحال محدثًا حالة من الخصام بينهما، فالرّيح تصفع اللّهب بقوّة يمنة ويسرة في حركة غير منتظمة، وهذه الضَّربات تولّد لديه حالة من الاضطراب، فسرعان ما يتوقّد غضبًا. ولم يلبث الشَّاعر أن أجرى حوارًا معه مستفهمًا عن كنه حاله بعدما سامره، فتصوّر بأنَّه يميل طربًا ويرقص منتشيًا بفعل تلك الرّيح، ولو انتقد أحد ذلك الفعل ما علم أنَّ النَّار ذهب أم خدٌّ خجلٌ كلّما لثمته الرّيح، وجعل القول الفصل للشَّرار المتطاير من النَّار، مشبّهًا إيَّاه بأعين ترقب ما يجري عن كثب.

ومن التَّشبيهات الجميلة للنَّار في طولها وارتفاعها وسكونها ما قاله يحيى بن هذيل الأندلسي (ت389هـ) في وصف نار أبصرها من بعيد في الظَّلام، وقد حرَّكتها الرّيح وتصاعدت ألسنتها من شدَّة تسعّرها، وسرعان ما أخمدتها ريح الصَّبا عندما خمدت وسكن لهيبها، فشبَّهها بالرُّمح في طولها.

وتشكلَّت له صورة أخرى بديعة لمعت في ذهنه، ونحتها من الحركة والسُّكون، والقيام والقعود، فأشبهت القارئ للقرآن قاعدًا، كُلَّما مرَّ على آية فيها سجود، نهض قائما وخرَّ ساجدًا، وهذا من بديع الصُّور، إذ يظلُّ في حركة دائبة قيامًا وقعودًا، يقول (منصور 210: 94): [الطَّويل]

وَقَفْتُ على عَفْرَاءَ والجَزْعُ دُوْنَهَا لأنْظُرَ مِنْ نَارٍ على البُعْدِ تُوْقَدُ
تَقُوْمُ بِطُوْلِ الرُّمْحِ ثُمَّ يَخُوْنُهَا هُبُوْبُ الصَّبَا عِنْدَ السُّكُوْنِ فَتَقْعُدُ
فَشَبَّهْتُهَا في الحَالَتَيْنِ بِقَارِئٍ إذا اعْتَرَضَتْهُ سَجْدَةٌ ظَلَّ يَسْجُدُ
Table 21.

ويتكرَّر المشهد ذاته لدى أبي جعفر أحمد بن سعيد العَنْسِي (ت550هـ)، حين قال (المقري 1968: 185،4): [الطَّويل]

نَظَرْتُ إلى نَارٍ تَصُوْلُ على الدُّجَى إذا ما حَسِبْنَاها تَدَانَتْ تَبَعَّدُ
تُرَفّعُهَا أيْدِي الرّيَاحِ، وَتَارَةً تُخَفّضُهَا مِثْلَ المُكَبّرِ يَسْجُدُ
وَإِلَّا فَمَنْ لا يَمْلِكُ الصَّبْرَ قَلْبُهُ يَقُوْمُ بِهِ غَيْظٌ هُنَاكَ وَيَقْعُدُ
لها أَلْسُنٌ تَشْكُو بِهَا ما أَصَابَهَا وَقَدْ جَعَلَتْ مِنْ شِدَّةِ القرّ تُرْعَدُ
Table 22.

يلتقي العنسي مع ابن هذيل في مشهد دراميّ واحد مع اختلاف يسير، فكلاهما أبصر النَّار عن بعد في ليلة ظلماء واستطالت عليها، ويظهر أنَّها كانت بعيدة عنه عندما التفت إليها، وظنَّ أنَّها قريبة منه، والفضل في ذلك يعود إلى الرّيح الَّتي تولَّتها برفعها وخفضها، فشخّصها إنسانًا يُصلّي ويرفع يديه مُكبّرا، وينخفض راكعًا ثمَّ ساجدًا، والفعل الحركيّ هذا يضفي على الصُّورة حيويَّة. ولم يَكْتَفِ بهذا، بل شبّهها بإنسان لا يطيق صبرًا من الغيظ، ورسم حالته في اضطرابه وعدم سكونه، فكان لا يثبت على حال في القيام والقعود، وكذلك كانت النَّار.

ونجده في البيت الأخير يقدّم إضافات جديدة على المقطوعة، وأضفى عليها روعة في التّصوير، وذلك عندما أعارها لسانًا وأنطقها؛ لتبثَّ شكواها من شدَّة السَّعير، ومن الممكن عزو اضطرابها وارتعادها للبرد الشّديد، فتكون حركتها شبيهة بحركة المقرور من برد قارس.

5 . نار الشَّمعة والقنديل :

بما أنَّ تركيز الشُّعراء كان منصبًّا على وصف النَّار في صورتها الماديَّة، فقد اهتمّوا كثيرًا بذكر أوصاف الشُّموع المُشعلة، والقناديل المنيرة، والسُّرُج المضيئة، مركّزين في ذلك على شكلها أوَّلًا، وهيئة نارها ثانيًا، وربطوا بين حالها وحال المحبّين.

ومن الصُّور البديعة في نعت الشَّمعة ما قاله ابن حمديس (ابن حمديس 1960 : 24): [المتقارب]

قَنَاةٌ مِنَ الشَّمْعِ مَرْكُوْزَةٌ لها حَرْبَةٌ طُبِعَتْ مِنْ لَهَبْ
تُحَرِّقُ بالنَّارِ أحْشَاءَهَا فَتَدْمَعُ مُقْلَتُهَا بالذَّهَبْ
تَمَشَّى لنا نُوْرُهَا بالدُّجَى كما يَتَمَشَّى الرّضَا في الغَضَبْ
فَأَعْجَب لآكِلَةٍ جِسْمَهَا بِرُوحٍ يُشَارِكُهَا في العَطَبْ
Table 23.

فهذه الشّمعة فيها طول فكانت كالرُّمح، وركَّب رأس حربته من اللَّهب، ومن عجيب فعلها أنَّها تحرق أحشاءها بذاتها، وهذا ما يعجّل في فنائها وتلاشيها، ويصوّر دمعها بأنَّه مقطوع من نارها الذّهبيّة البرّاقة، وممَّا يثير الدَّهشة ذلك النُّور المنبعث منها بحيث لا نستطيع التّنبّؤ، أهو ناجم عن حالة من الرّضا أم الغضب؟

وله فيها تشبيه جميل أبرز فيه صفة نحولها واصفرار لونها، فبدت وكأنَّها تستعذب حياتها على هذا النَّحو، ونجده يشبّهها بقناة طويلة عالية تطعن بها ظلمة الدُّجى، ويجيء بتشبيه حسن غاية في الرّوعة! وهو تشبيه نورها بلسان الأفعى، والتَّوصيف الوارد في البيت الأخير مناسب تمامًا لما قبله، فحينما توشك على الفناء تتمسّك بالبقاء وكأنَّها تلحس ما تبقّى من بعضها؛ لتبقى حيَّة إلى أن تموت. يقول (ابن بسام 2000: 236,4): [المنسرح]

مُصْفَرّةُ الجِسْمِ وهْيَ نَاحِلَةٌ تَسْتَعْذِبُ العَيْشَ مَعْ تَعَذّبِهَا
تَطْعَنُ صَدْرَ الدُّجَى بِعَالِيَةٍ صنَوْبَريّ لِسَانُ كَوْكَبِهَا
إنْ تَلِفَتْ رُوْحُ هذه اقْتَبَسَتْ مِنْ هَذِه فَضْلَةً تَعِيْشُ بِهَا
كَحَيَّةٍ باللّسَانِ لاحِسَةٍ ما أَدْرَكَتْ مِنْ سَوَادِ غَيْهَبِهَا
Table 24.

وتكشف نتفة لأبي الصَّلت الدَّاني عن وجه الشَّبه ما بين الشَّمعة والمحبّ، فكلاهما يشتركان في الصّفات ذاتها: البكاء على البعد أو الهجر، والنُّحول والضَّعف، ولون نارها يشبه في صفرته لون المحبّ، وكذلك السَّهر الدَّائم، غير أنَّها تفترق عنه في كونها لا تعرف الحبّ أو الهوى، يقول (التيفاشي 1983: 381): [الطويل]

وَنَاحِلَةٍ صَفْرَاءَ لَمْ تَدْرِ ما الهَوَى فَتَبْكِي لِهَجْرٍ أوْ لِطُوْلِ بعَادِ
حَكَتْهُ نُحُوْلًا واصْفِرَارًا وَحُرْقَةً وَفَيْضَ دُمُوْعٍ واتّصَالَ سُهَادِ
Table 25.

ولعبد الملك بن رزين (ت496هـ) وصف جميل لشمعة بدا عليها الشُّحوب، فأشبهت العاشقين لونًا، ويغلّف النُّتفة بشيء من الحكمة؛ إذ إنّها تفني نفسها بنفسها، وكذلك تفعل الآجال في الناس حينما تنتهي أعمارهم، يقول (ابن خاقان 210: 168): [مجزوء الرمل]

رُبَّ صَفْرَاءَ تَرَدَّتْ بِرِدَاءِ العَاشِقِيْنَا
مِثْلَ فِعْلِ النَّارِ فِيْهَا تَفْعَلُ الآجَالُ فِيْنَا
Table 26.

وقد تقاسم أبو بكر يحيى بن سهل اليكّيّ بيتًا مع شاعر آخر كان قد استهزأ به لمَّا عرَّفه بنفسه، فاختبره طالبًا منه إجازة شيء يصفه، ولم يجد إلا القنديل الموقد في الغرفة الَّتي كانا يجلسان فيها، فقال الأوَّل (ابن ظافر 1992: 101): [الوافر]

وَقِنْدِيْلٍ كَأنَّ الضّوءَ فِيْهِ مُحيَّا مَنْ أحِبُّ إذا تَجَلَّى
Table 27.

فقال الثُّاني في الحال مُجيزًا:

أشَارَ إلى الدُّجَى بِلِسَانِ أفْعَى فَشَمَّر ذَيْلَهُ هَرَبًا وَوَلَّى
Table 28.

فهذا من غريب الاتّفاق في الوصف ارتجالًا، إذ برع الشَّاعران في نعته، فواحد التفت إلى ضوئه الّذي أذكره بوجه محبوبه الجميل عندما يطلّ عليه، أمَّا الثّاني فشبَّه الضُّوء بلسان الأفعى، وهذا ما أرعب الدُّجى فولَّى هاربًا فزعًا.

6.نار النّفط على الماء

يقول الأسعد بن بليطة (ت440هـ) يصف النّفط (ابن بسام 2000: 604,1. التفياشي 1980: 366): [الكامل]

والنّفْطُ مَهْمَا افْتَرَّ فُوْهُ فَاغِرًا أجْرَى لِسَانَ النَّارِ فَوْقَ المَاءِ
فَكَأنَّهُ ذَهَبٌ بَدَا في صَارِمٍ أوْ رَجْعُ بَرْقٍ فِي أَدِيْمِ سَمَاءِ
Table 29.

الصُّورة الوصفيّة -هنا- جاءت مستوحاة من مشهد جماليّ عاينه وهو ذلك النَّفط الملقى على صفحة الماء؛ لإحراق السُّفن في الحروب، فشبَّه النَّار باللّسان، والنّفط بحيوان يفغر فاه متبسّما، وقد أخرج لسانه الملتهب مادًّا إيَّاه على صفحة الماء.

ويلتفت الشَّاعر إلى الصُّورة اللَّونية التي بدا عليها ذلك النّفط المشتعل؛ ليشكّل منها صورتين: واحدة على الأرض، وأخرى في السّماء، فكان كسيف ذهبيّ ذي بريق تارة، وتخيّله كوميض البرق لحظة مروره ورجوعه في السّماء تارة أخرى، والصُّورتان كلاهما متقاربتان؛ إذ إنَّهما تعبّران عن الهيئة الَّتي شكَّلت صورة النَّار على الماء، وهذا من بديع الاتّفاق في التَّشبيه.

ولابن سعيد الأندلسي (ت685هـ) صورة جماليَّة جمع فيها بين النَّقيضين: النَّار والماء في آن، وما كان هذا ليكون لولا وجود النَّفط، ففي الماء حتف لها، وهذه الصُّورة البلاغيّة الخياليَّة توحي بأنَّ صُلْحًا قد أُبْرِم بينهما، وقد ساعد اللَّون على تشكيل صورتين لها على هذه الهيئة: أمَّا الأولى فعلويَّة، فكانت تشبه الشَّفق الذي يتبدَّى لحظة الغروب، ورسم الثَّانية على صفحة الماء، فبدت كعقيق أحمر أُذِيْبَ على زجاجٍ شفَّاف. يقول (التيفاشي 1980: 367): [الوافر]

أَطَارَ النّفْطُ فَوْقَ المَاءِ نَارًا قَدِ اصْطَلَحَا لِتَكْمِيْلِ الهِيَاجِ
أَرَى شَفَقًا يَلُوْحُ عَلَى سَمَاءٍ كَمَا ذَابَ العَقِيْقُ على الزّجَاجِ
Table 30.

المبحث الثَّاني: النَّار في صورتها المجازيَّة

قد نبتعد قليلًا في الحديث عن وصف النَّار في صورتها المادّيّة إلى المعنويَّة، إذ أكثر الشُّعراء من ذكرها في مواضع الحزن والحرقة واللَّوعة، وعبَّروا من خلالها عمَّا يعانونه من عميق الأسى وبخاصَّة المحبّين منهم، أو أولئك الذين ذاقوا ويلات فقد الأحبَّة، وأولئك الذين استحضروها في مقامات الغربة والحنين، فراحوا يطلقون أنَّاتهم ويذرفون مدامعهم، ويكشفون عن توقّد أحشائهم، ويطلقون أنَّاتهم، وغير ذلك من المشاعر الَّتي تترجم صدق أحاسيسهم.

1. نيران الهوى

ما من شاعر إلّا وقال شيئًا في نار الهوى حقيقة أو ادّعاءً، وقد مثّلوا لذلك بصور عديدة، لعلّ أبرزها النَّار الَّتي عبّروا من خلالها عن التحرّق واللّوعة النَّاجمة عن الهجر والجفاء والقطيعة، وكذلك ما يكابده العُشَّاق من ألم الصَّبابة والهوى، وغيرها من المعاني الَّتي تداولوها في أشعارهم، وقد مثَّلوا أحوال المحبّين، ونقلوا لنا صورا صادقة أو متخيّلة عن عذاباتهم.

وعند الحديث عن نار الهوى في بعدها المعنويّ لا بدّ من الوقوف عند مقطوعة ليوسف بن هارون (من شعراء القرن الرابع الهجري) أبان فيها عن موقفه منها، وتعجّب ممّن يعبدون النَّار من الفرس في صورتها المادّيَّة، ويتركون نار العشق، فهي أولى بأن تعبد كما يرى هو؛ لأنَّها نار الهوى المتوقّدة في قلبه.

ونار الكرم الّتي أوقدها أهلها محرَّمة عليه مباحة لغيره، وهذا قمَّة في الظُّلم، وما يلبث أن يقارن بين النَّارين، مستدعيًا الآية الكريمة ﴿قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم﴾ (القرآن: الأنبياء 69)؛ ليشير بها إلى أنّ نار قلبه لظى، أمَّا نار الكرم فبرد وسلام. يقول (الكتاني 1966: 170. جرار 1980: 53-54): [الطويل]

وَمَا عَجَبِي إِلّا مِنَ الفُرْسِ إِنَّهُم لهم حِكَمٌ قَدْ سِرْنَ في الشَّرْقِ والغَرْبِ
لِتَرْكِهمُ أنْ يَعْبُدُوا نَارَ زَيْنَب ونارُ هوًى مِنْهَا تَوَقُّدُ في قَلْبِي
وَمَا بِيَ تحْبِيْبُ الذُّنُوْبِ إِلَيْهمُ ولَكِنَّ حُسْنَ الذَّنْبِ عُذْرٌ لَدَى الذَّنْبِ
وأَحْبِبْ بِهَا نَارًا تُوْقَّدُ لِلْقِرَى حَلالًا لأهْلِ الأرْضِ حِجْرًا على الصَّبّ
وما حرُّ تلك النَّارِ إلَّا سلامةً وبَرْدًا لَدَى النَّارِ الَّتِي أُوْدِعَتْ قَلْبِي
Table 31.

وللرّمادي مقطوعة جميلة وصف فيها سراجًا كانت يراقبه، ويديم النّظر إليه (الكتاني 1966: 170. جرار 1980: 64): [الطويل]

أَرَى سَكَرَاتٍ للسّرَاجِ كَأَنَّهُ عَلِيْلُ هَوىً فَوْقَ الفِرَاشِ يَجُوْدُ
أُرَاقِبُهُ حَتَّى إذا قُلْتُ قَدْ قَضَى تَثُوْبُ إليْهِ نَفْسُهُ فَتَعُوْدُ
وَأَمْرَضَهُ ضَوْءُ الصَّبَاحِ كَأَنَّهُ يُرَى فِي اجْتِمَاعِ الآلفين حَسُوْدُ
Table 32.

الصُّورة الَّتي بين أيدينا نابضة بالحياة، وقد ساعد التّشخيص على تكوينها، وعمل الشَّاعر على استنطاقها، وكأنَّ السّراج الّذي خبا نوره وقارب أن ينطفئ، يتماثل تمامًا مع ذلك العاشق الولهان الّذي أضناه العشق وأنحله، وسرّ جماليَّة التّشبيه يكمن في العلاقة بين نور السّراج الذّي زعزعته الرّيح، وذلك المدلَّه الّذي يبدو مريضًا ثمّ يعود سليمًا، وكذلك العلاقة بين ضوء الصَّباح الّذي يمرض المصباح والعاشق معًا، وكأنَّه حسود لكلّ محبّين متآلفين.

وكلّما أبصر ابن بطال النَّار انفطر قلبه، وأذكرته بنار الحبّ الَّتي تضطرم في قلبه، وفي تلك اللَّحظات يتمنّى لو يجد مَنْ يطفئ جمر صدره. ونجد الشَّاعر يؤلّف بين الحسّي والمعنوي في صفة النَّار عبر عنصر التَّجريد الّذي أضفى من خلاله صفات معنويَّة على أخرى مادّيَّة دون أن يزيل الفوارق بينها، وفي هذا إثارة لذهن المُتلقّي ودعوة له للبحث عن الصُّور المتولّدة عن العلاقات بين الأشياء، تأمَّل معي حالته النَّفسيَّة عندما ربط بين الموقد وقلبه، والجمر ونار الهوى (الكتاني 1966: 170). [السّريع]

وَمَوْقِدٍ يَسْطَعُ لَكِنَّهُ يُوْقِدُهُ مُضْمَرُ أحْشَائِهِ
كَأَنَّهُ قَلْبِي إذا ما الْتَظَى يُوْقِدُهُ المُضْمَرُ مِنْ دَائِهِ
Table 33.

وقد أجاد أحمد بن إبراهيم بن غالب الحميري المعروف بالغزال (ت631) المقاربة بين مجمر النَّار الّذي كُلّف بوصفه، فأبدع التّشبيه، يقول (ابن الأبار 1968: 220): [البسيط]

وَمِجْمَرٍ مُلِئَتْ سَاحَاتُهُ بِغَضًا والجَمْرُ يَرْمِي شَرَارًا وَهْوَ يَسْتَعِرُ
كُلّفْتُ تَشْبِيْهَهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ خُذُوا التـ ـتَشْبِيْهَ بالخُبْرِ لا يُشْغِلْكُم الخَبَرُ
فَمِجْمَرُ النَّارِ صَدْرِي، والغَضَا كَبِدِي والجَمْرُ قَلْبِي، وَدَمْعِي ذَلِكَ الشَّرَرُ
Table 34.

نجد الشَّاعر في هذه اللَّوحة يخرج الأمور عن المألوف، مولّدًا صورة مبتكرة استوحاها من العلاقات الَّتي أقامها بين الأشياء المادّيَّة، مُجسّدًا تصويرًا لحالته النَّفسيَّة حينما أبصر المِجمَر، فأذكرته ناره المحبوبة الَّتي عذّبته، وهذا المنظر عمَّق الحزن في داخله، فبدا مخنوقًا، وراح يحلّق بخياله بعيدًا، وابتدع صورة لنار الهوى، معتمدًا فيها على حسن التَّقسيم، ومشبّهًا أربعة بأربعة: فصدره جمر، وكبده غضا، وقلبه جمر، ودمعه شرر.

2. نيران اللَّوعة والاشتياق والحزن

استحضر ابن حزم (ت456هـ) شيئًا من متعلّقات النَّار "الجمر، والرّماد" ليعبّر بهما عن موقفه من الهجر والسُّلوّ عند بعد الحبيب، وتتكشّف الأبيات عن تمسّك الشَّاعر بالمحبوب أبد الدَّهر حتَّى ولو كان الهجر طويلًا، فلا يمكن أن ينساه أو ينشغل عنه بسواه، والمستغرب عنده حقًّا أنَّه كان يتعجّب من صبره، فكيف له أن يسلو؟! وهذا ما يُثِيْرُ الدّهشة. والجمرة في البيت الأخير شاهد يترجم لسان الحال لوعة واشتياقًا، فنور الحبّ له وَقْدٌ ووميض راسخٌ متجدّد في قلبه، تمامًا كما الجمرة الَّتي يُرى وميضها من تحت الرَّماد، وكأنّها في حالة اتّقاد وتجدّد. يقول (ابن حزم 2010: 62): [مجزوء الكامل]

لو قيلَ لي مِنْ قَبْل ذا أنْ سَوْفَ تَسلُو مَنْ تودّ
لحلفتُ ألفَ قَسَامَةٍ لا كانَ ذا أبدَ الأبدْ
وإذا طَويلُ الهجرِ ما مَعَهُ مِنَ السُّلوانِ بُدّ
لله هجرُكَ إنَّهُ ساعٍ لبُرئي مُجْتَهِدْ
فالآن أعجبُ للسُّلـ ـوّ وكنْتُ أعْجَبُ لِلْجَلَدْ
وَأَرَى هَوَاكَ كَجَمْرَةٍ تَحْتَ الرّمَادِ لَهَا مَدَدْ
Table 35.

وعلى عادة الشُّعراء القدماء يستذكر أحمد بن فرج ليالي العاشقين الطّوال، وراح يتخيّل بأنَّه نزل بوادٍ، وعندما خيَّم الظّلام راح يتذكّر محبوبه بعد أن طال ليله وامتدّ، فأحسّ بأن كلّ ساعة فيه ليلة كاملة، ولمَّا أبصر نارًا بعيدة عنه، هاجت نار الشَّوق لديه، فأحسّ بأنَّ قلبه يصطلي بلهيبها، وفي الجمع بين النّقيضين القرب والبعد توصيف لشدّة جوى نار اللّوعة والاشتياق في قلبه. يقول (الكتاني 1966: 169): [الوافر]

وَلِي بالجَزْعِ لَيْلٌ قَدْ تَمَطَّى فَمَا سَاعَاتُهُ إلَّا لَيَالِي
لِنَارٍ أوْمَضَتْ فَكَأَنَّ قَلْبِي بِمِثْلِ لَهِيْبِهَا للشَّوْقِ صَالِي
بَعِيْدٌ مُنْتَوَاهَا وهْيَ تُذْكَى عَلَى كَبِدِي بِقُرْبٍ واتّصَالِ
Table 36.

وللشَّاعر المغمور عبد الرحمن بن زغبوش صورة نابعة من تجربة ذاتيّة توحي بعمق الأسى في نفسه، وقد أبدع في إبرازها عبر الرّبط بين الأشياء المادّيّة والمعنوية من خلال تراسل الحواسّ في صوره الَّتي عبَّر بها عن الحزن في قلبه، فيطلب ممّن يلومه على إفراطه في البكاء أن يكفّ عن ذلك، وما اكتحال عينيه إلّا من دخان فؤاده الذي اضطرمت بها نار الحزن، وأنفاسه الحرّى هي الَّتي رفعت دخان نار قلبه وكحّل بها ناظريه. ويظهر الشّاعر حزين جدًّا على أحبَّة فقدهم، وبخاصَّة بعدما تقدَّم به العمر وغزا رأسه الشيب، فأشبهه بالرّماد. يقول (ابن المرابط 1997: 252,3): [مخلّع البسيط]

أَقْصِرْ فَإِنَّ الَّذِي تَرَاهُ مِنَ اكْتِحَالٍ بِمُقْلَتَينِ
دُخانُ قلبٍ قدْ أحرقتهُ نيرانُ حُزنٍ بغيرِ مَيْنِ
فصعَّدتْهُ أنفاسُ وجْدِي فحلَّ منّي بناظرينِ
وَمِنْ رَمَادِ الحَرِيْقِ شَيْبِي كَيْفَ تَبَدَّى بِمفْرَقَيْنِ
Table 37.

ويتّكئ الوزير أبو جعفر بن اللمائي (ت465هـ) على النَّار في إظهار حالة الحزن التي كان عليها بعد مرضه، وذلك بعد أن عاده بعض أصحابه، وتناول مروحة روّح بها للتّخفيف عنه، فطلب منه أن يكفّ عن ذلك الفعل الذي يزيده ألمًا ووجعًا، وفي هذا المقام استحضر صورة النَّار عندما تخمد، فكلّما حرّكتها الرّيح اتّقدت، وهذا من بليغ الحكم، يقول (الكتاني 1966: 247): [المنسرح]

رَوَّحَنِي عَائِدِي، فَقُلْتُ لَهُ مَهْ، لا تَزِدْنِي على الَّذِي أَجِدُ
أمَا تَرى النَّارَ وَهْيَ خَامِدَةٌ عِنْدَ هُبُوْبِ الرّياحِ تَتَّقِدُ؟
Table 38.

3. نيران الهداية والظّلم

غالبًا ما تأتي نار الهدى في قصائد المدح، وبين أيدينا أبيات من قصيدة للرّصافي البلنسيّ (ت573هـ) يمدح فيها مؤسّس دولة الموحدين أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي نزل بجبل الفتح (جبل طارق) سنة (555هـ)، وكان قد استدعى نفرًا من الشعراء ومن بينهم شاعرنا، فأنشده قصيدة طويلة عدّتها اثنان وستّون بيتًا، أيَّد من خلالها دخول الموحّدين إلى الأندلس، ومنها نجتزئ هذه الأبيات الَّتي استهلَّ بها قصيدته تلك، يقول (الرصافي 1989: 77-78): [البسيط]

لَوْ جِئْتَ نارَ الهُدَى مِنْ جَانِبِ الطُّوْرِ قَبَسْتَ ما شِئْتَ مِنْ عِلْمٍ وَمِنْ نُوْرِ
مِنْ كُلّ زَهْرَاءَ لَمْ تُرْفَعْ ذُؤَابَتُهَا لَيْلًا لِسَارٍ، وَلَمْ تُشْبَبْ لِمَقْرُوْرِ
فَيْضِيَّةُ القَدْحِ مِنْ نُوْرِ النُّبُوَّةِ أو نُوْرِ الهِدَايَةِ تَجْلُوْ ظُلْمَةَ الزُّوْرِ
ما زَالَ يُقْضِمُها التَّقْوَى بِمَوْقِدِهَا صَوَّامُ هَاجِرَةٍ، قَوَّامُ دَيْجُوْرِ
حتَّى أضَاءَتْ مِنَ الإيْمَانِ عَنْ قَبَسٍ قَدْ كانَ تَحْتَ رَمَادِ الكُفْرِ مَكْفُوْرِ
نُوْرٌ طَوَى اللهُ زِنْدَ الكَوْنِ مِنْهُ على سِقْطٍ إلى زَمَنِ المَهْدِيّ مَذْحُوْرِ
Table 39.

مزج الشّاعر في مفتتح قصيدته بين النَّار في صورتها المادّيّة والمعنويَّة، وقد أجاد في استدعاء النّصّ الدّيني حينما أشار إلى قصَّة سيّدنا موسى، عليه السَّلام، في القرآن، فجاء الأمر اتّفاقًا بينهما؛ فكلّ منهما وقف بالجبل، والنَّار الّتي تخيّلها مضيئة لم تكن لترشد السّائرين أو تدفئة المقرورين؛ وإنّما كانت ببعدها الرّمزي بوصفها هاديًا للبشريَّة، وماحية لكل ظلام وزور.

ويتخيّل بأنَّ طعام هذه النَّار العظيمة لم يكن حطبًا، بل تتغذَّى من نار الهدى والتَّقوى الّتي خُصَّ بها الممدوح بوصفه صوَّامًا للهواجر قوَّامًا للدَّياجي.

وشعلة هذه النَّار مقتبسة من صالح الأعمال، فهي تضيء على الدّوام بالإيمان، وقد أحسن الشّاعر التّمثيل بقوله "رماد الكفر"، فالنَّار كانت مخبوءة تحت هذا الرّماد الّذي لا قيمة له أو وزن. وفي البيت الأخير يشير إلى أنَّ هذا النُّور ظلَّ مخفيًّا مستترًا إلى أن قيَّض الله له باعثًا وهو ابن تومرت الملقَّب بالمهدي.

ومن جميل ما قاله ابن زيدون حينما أودع السّجن ظلمًا، فراح يبثُّ شكواه وعتابه (ابن زيدون 1977: 283). [الخفيف]

سَقَمٌ لا أُعَادُ مِنْهُ وفِي العَا ئِدِ أُنْسٌ يَفِي بِبُرْءِ السَّقِيْمِ
نَارُ بَغْيٍ سَرَى إلى جَنَّةِ الأَمـْ ـنِ لَظَاهَا، فَأَصْبَحَتْ كالصَّرِيْمِ
بِأَبِي أَنْتَ! إنْ تَشَأْ تَكُ بَرْدًا وَسَلامًا كَنَارِ إبْرَاهِيْمِ
Table 40.

صوَّر الشَّاعر الحال الَّتي أصبح عليها، إذ ألمَّ به المرض، ولم يجد عائدًا يخفّف عليه آلامه في زورة كان يتمنَّاها، ويستحضر نار الظُّلم الَّتي أصابت جنَّة أمنه، فصيّرتها هشيمًا، ويخاطب أبا الحزم ابن جهور مستعطفًا راجيًا منه الإحسان إليه، وقد أجاد الاستشهاد بالآية الكريمة ﴿قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم﴾ (القرآن. الأنبياء: 69)، في إشارة واضحة إلى تشبيه الظُّلم بالنَّار الّتي ألقي فيها سيّدنا إبراهيم، فلم تضرّه أبدًا، وكانت ذات برد وسلام.

خاتمة البحث و النَّتائج:

توصلّت الدّراسة إلى النتائج الآتية:

1. وجد الباحث أنّ ابن سارة وابن خفاجة من أكثر شعراء الأندلس وصفًا للنَّار كمَّا وكيفًا.

2. تراوحت الصُّور الشّعرية في وصف النَّار بين التّقليديَّة والمبتكرة.

3. معظم الأشعار التي قيلت في وصف النَّار جاءت على شكل مقطوعات، باستثناء ما ورد عند ابن سارة وابن خفاجة، وهذا يدلّ على أنَّها جاءت عفو الخاطر؛ لأنَّها تتّصل بالبديهة والارتجال.

4. تفاوت الشُّعراء في المعجم الشّعري، فمن اللّافت للنّظر أنّ ابن خفاجة ينفرد عنهم في هذه الصّفة، إذ إنَّ صوره وألفاظه ومعانيه مستمدّة من الشّعر القديم.

5. تركّزت أغلب التّشبيهات الواردة في وصف النَّار على الرّماد والجمر والدّخان.

6. استمدّ الشُّعراء صورهم من الطَّبيعة الصَّامتة والمتحرّكة في نعوتهم للنّار.

مصادر البحث :

القرآن الكريم

ابن الأبار، محمد، تحفة القادم، أعاد بناءه وعلق عليه الدكتور إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1986م.

الأصفهاني، عماد الدين، خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء المغرب والأندلس)، تحقيق آذرتاش آذرنوش، الدار التونسية للنشر، تونس، 1971م.

ابن بسام، أبو الحسن علي، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000م.

ابن الحداد، محمد، ديوان ابن الحداد الأندلسي، جمعه وحققه وشرحه وقدّم له الدكتور يوسف علي طويل، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م.

ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد، ديوان ابن حزم، جمع وتحقيق عبد العزيز إبراهيم، ط1، دار صادر، بيروت، 2010م.

ابن حمديس، أبو محمد عبد الجبار، الديوان، صححه وقدّم له: الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1960م.

ابن خاقان، الفتح بن عبيد الله، قلائد العقيان ومحاسن الأعيان، حققه وعلق عليه الدكتور حسين خريوش، ط 1، عالم الكتب الحديث، إربد، 2010.

ابن خفاجة، أبو إسحق إبراهيم، ديوان ابن خفاجة، تحقيق الدكتور السيد مصطفى غازي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1960م.

ابن خميس، أبو بكر، ابن عسكر، أبو عبد الله، أعلام مالقة، تقديم وتخريج وتعليق الدكتور عبد الله المرابط الترغي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، دار الأمان، الرباط، 1999م.

ابن زيدون، أحمد بن عبد الله، ديوان ابن زيدون ورسائله، شرح وتحقيق علي عبد العظيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1977م.

ابن سعيد، علي بن موسى، المغرب في المغرب، ط2، حققه وعلق عليه الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، (د.ت).

ابن شريفة، محمد، ابن لبال الشريشي، ط1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1996م.

ابن ظافر الأزدي، علي، بدائع البدائه، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 1992م.

ابن المرابط، محمد بن علي، زواهر الفكر وجواهر الفقر، دراسة وتحقيق الدكتور حسن إفليفل، ج3، مطبوعات مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 1997م.

امرؤ القيس، بن حجر، الديوان، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط5، دار المعارف، القاهرة، 1990م.

التيفاشي، أبو العباس أحمد، سرور النفس بمدارك الحواسّ الخمس، حققه الدكتور إحسان عباس، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980م.

جرار، ماهر زهير، شعر الرمادي يوسف بن هارون (شاعر الأندلس في القرن الرابع الهجري)، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980م.

الرصافي البلنسي، محمد بن غالب، الديوان، جمعه وقدم له الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1989م.

الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات، ج20، باعتناء أحمد حطيط، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 2009م.

الكتاني، أبو عبد الله محمد، كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1966م.

الكريم، مصطفى عوض، ابن سارة الأندلسي حياته وشعره، مطبعة مصر، (د.ت).

المقري، شهاب الدين أحمد، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ج3، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 1980م.

المقري، شهاب الدين أحمد، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ج5، تحقيق د. عبد السلام الهراس، سعيد أعراب، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 1980م.

المقري، شهاب الدين أحمد، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968م.

منصور، حمدي، شعر يحيى بن هذيل الأندلسي، ط1، دار الفكر، عمان، 2010م.

Cómo citar

BANAT, M. (2024). La imagen del fuego en la poesía andalusí: estudio analítico- descriptivo. Al-Andalus Magreb, 31, 1–23. https://doi.org/10.25267/AAM.2024.v31.101

Citas

ابن الأبار، محمد، تحفة القادم، أعاد بناءه وعلق عليه الدكتور إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1986م.

الأصفهاني، عماد الدين، خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء المغرب والأندلس)، تحقيق آذرتاش آذرنوش، الدار التونسية للنشر، تونس، 1971م.

ابن بسام، أبو الحسن علي، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000م.

ابن الحداد، محمد، ديوان ابن الحداد الأندلسي، جمعه وحققه وشرحه وقدّم له الدكتور يوسف علي طويل، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م.

ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد، ديوان ابن حزم، جمع وتحقيق عبد العزيز إبراهيم، ط1، دار صادر، بيروت، 2010م.

ابن حمديس، أبو محمد عبد الجبار، الديوان، صححه وقدّم له: الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1960م.

ابن خاقان، الفتح بن عبيد الله، قلائد العقيان ومحاسن الأعيان، حققه وعلق عليه الدكتور حسين خريوش، ط 1، عالم الكتب الحديث، إربد، 2010.

ابن خفاجة، أبو إسحق إبراهيم، ديوان ابن خفاجة، تحقيق الدكتور السيد مصطفى غازي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1960م.

ابن خميس، أبو بكر، ابن عسكر، أبو عبد الله، أعلام مالقة، تقديم وتخريج وتعليق الدكتور عبد الله المرابط الترغي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، دار الأمان، الرباط، 1999م.

ابن زيدون، أحمد بن عبد الله، ديوان ابن زيدون ورسائله، شرح وتحقيق علي عبد العظيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1977م.

ابن سعيد، علي بن موسى، المغرب في المغرب، ط2، حققه وعلق عليه الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، (د.ت).

ابن شريفة، محمد، ابن لبال الشريشي، ط1، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1996م.

ابن ظافر الأزدي، علي، بدائع البدائه، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 1992م.

ابن المرابط، محمد بن علي، زواهر الفكر وجواهر الفقر، دراسة وتحقيق الدكتور حسن إفليفل، ج3، مطبوعات مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 1997م.

امرؤ القيس، بن حجر، الديوان، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط5، دار المعارف، القاهرة، 1990م.

التيفاشي، أبو العباس أحمد، سرور النفس بمدارك الحواس الخمس، حققه الدكتور إحسان عباس، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980م.

جرار، ماهر زهير، شعر الرمادي يوسف بن هارون (شاعر الأندلس في القرن الرابع الهجري)، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980م.

الرصافي البلنسي، محمد بن غالب، الديوان، جمعه وقدم له الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1989م.

الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات، ج20، باعتناء أحمد حطيط، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، بيروت، 2009م.

الكتاني، أبو عبد الله محمد، كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1966م.

الكريم، مصطفى عوض، ابن سارة الأندلسي حياته وشعره، مطبعة مصر، (د.ت).

المقري، شهاب الدين أحمد، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ج3، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 1980م.

المقري، شهاب الدين أحمد، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ج5، تحقيق د. عبد السلام الهراس، سعيد أعراب، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 1980م.

المقري، شهاب الدين أحمد، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968م.

منصور، حمدي، شعر يحيى بن هذيل الأندلسي، ط1، دار الفكر، عمان، 2010م.